الخميس, 10 يوليو 2025 11:33 PM

غموض يكتنف المفاوضات السورية الإسرائيلية: اتفاق أمني يلوح في الأفق

غموض يكتنف المفاوضات السورية الإسرائيلية: اتفاق أمني يلوح في الأفق

يتسم تعاطي دمشق مع التصريحات والتسريبات المتعلقة بملف التفاوض مع إسرائيل بقدر كبير من الغموض والحذر. وتلتزم دمشق الصمت، ولا تخرج عنه إلا لنفي وجود أي مفاوضات أو لقاءات مباشرة بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين. أما ما عدا ذلك، فيمر عبر فلتر السياسة السورية دون أي تعليق أو توضيح.

يأتي هذا في وقت تتصاعد فيه الأحاديث عن مسار التفاوض بين سورية وإسرائيل ومآلاته المحتملة. بل إن بعض التقارير قد حددت شهر أيلول المقبل موعداً لاجتماع يضمّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، بهدف توقيع اتفاق بين دمشق وتل أبيب ما تزال صيغته محل تكهنات وتأويلات عديدة.

اتفاق أمني – سياسي وليس تطبيعاً

قال الدبلوماسي السوري بشار الحاج علي للنهار: "يمكن القول إننا لا نزال في إطار إعادة تنظيم العلاقة الأمنية في مرحلة إقليمية وسورية دقيقة، لا ترقى إلى مستوى التطبيع ولا تدخل بعد في سياق سلام شامل".

وأضاف الحاج علي: "ما يحدث اليوم هو تفكيك تدريجي لعقدة التصادم التاريخي، ضمن شروط إقليمية جديدة أفرزت مشهدًا سوريًا مختلفًا بالكامل بعد كانون الأول 2024". وشدد على أن: "المسار الجاري هو أمني–سياسي بطابعه، وليس تطبيعًا بمفهومه الكامل. ما نراه هو سلوك عقلاني جديد يتعامل مع الوقائع لا الأوهام، ويأتي في سياق إقليمي باتت فيه الأولويات ميدانية وسيادية، لا أيديولوجية".

جدل حول اجتماع الشرع مع هنغبي

أثارت زيارة الشرع إلى دولة الإمارات، الاثنين، الكثير من الجدل بسبب ما رافقها من تسريبات حول اجتماع ضمّ الرئيس السوري المؤقت مع رئيس مكتب الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي. وأكّد موقع "الجمهورية" السوريّ المستقلّ حدوث الاجتماع نقلاً عن مصدرين مطلعين على مسار المفاوضات بين البلدين. وأشار أحد المصدرين إلى أن اللقاء يُعد تطوراً لافتاً في مسار المفاوضات السورية-الإسرائيلية. وأكد المصدران – أحدهما سوري مطّلع على مسار المفاوضات بين الدولتين، والثاني دبلوماسي إقليمي – أنّ اللقاء ليس الأول من نوعه، وفق موقع الجمهورية.

من جهتها نفت العاصمة السورية هذه الأنباء، حيث أكد مصدر في وزارة الإعلام أنه لا صحة لما يتم تداوله بشأن انعقاد أي جلسات أو اجتماعات بين الرئيس الشرع ومسؤولين إسرائيليين. وكان توم بارّاك المبعوث الأميركي إلى سوريا قد استبق زيارة الشرع إلى الإمارات بقوله إن المفاوضات بين سوريا وإسرائيل قد بدأت.

وقال وائل علون الباحث في مركز جسور للدراسات للنهار أن: "المفاوضات اليوم تحتاجها سوريا كما تحتاجها المنطقة في سبيل الوصول إلى وقف الفوضى التي تسببها إسرائيل، وضمان قدرة الحكومة السورية الجديدة على بناء الدولة". وشدد على أن الحكومة السورية الجديدة منذ تسلّمها أعطت رسائل تطمين، غير أن حكومة نتنياهو لم تقرأ هذه التطمينات بعين إيجابية واستمرت في اعتدائها على الأراضي السورية. وأشار علوان إلى جهود أميركية مهمة جداً لفرض الاستقرار وهذا يصب في مصلحة الحكومة السورية. وفي الوقت نفسه لدى واشنطن رغبة في الإسراع بالوصول إلى تفاهمات وضم سوريا إلى الاتفاقات الابراهامية، وفق ما قال للنهار.

ماذا سيتضمن الاتفاق الأمني؟

في خطوة عكست حجم التطور الحاصل شهدت شوارع العاصمة السورية دمشق تعليق لوحات دعائية ضخمة تُظهر الرئيسين الشرع وترامب مع عبارة مكتوب فيها: القادة الأقوياء يصنعون السلام، وتحتها عبارة "الشعب السوري يشكركم" في إشارة إلى الرئيس الأميركي ترامب. وجدد رفع هذه الصور العملاقة في شوارع دمشق مع شمولها صراحة على كلمة "السلام" من اللغط المتنامي حول ما يجري بين دمشق وإسرائيل ومآلاته الحقيقية، لا سيما أن دمشق نفسها أكدت الأسبوع الماضي أن "التصريحات المتعلقة بتوقيع اتفاقية سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الراهن تُعدّ سابقة لأوانها".

وقال محمد شكيب خالد للنهار، وهو عضو المكتب السياسي في التحالف السوري الديمقراطي أنه: "في المرحلة الأولى سيكون التفاوض على اتفاق أمني خاصة أن اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 قد انتهى عملياً بعد التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة ومحيطها. لذلك أعتقد أنه سيتم التفاوض على اتفاق أمني جديد وليس على اتفاق سلام لأن كلاً من الحكومة الانتقالية في دمشق وحكومة نتنياهو في إسرائيل المهدد بالتفكك في أي وقت ليست لديهما القدرة السياسية على تمرير اتفاق سلام بين البلدين".

وفي السياق ذاته قال بشار الحاج علي: "ما نشهده اليوم ليس صفقة منفصلة، بل تجسيد لتبدّل أوسع في الإقليم، حيث الأولويات تنتقل من المواجهة المفتوحة إلى تثبيت الاستقرار وإعادة تموضع الدول داخل حدودها ومصالحها".

وبخصوص المعلومات المتداولة حول بنود هذا الاتفاق الأمني المحتمل، إن صحّ وصفه بذلك، قال الحاج علي أنها تتقاطع في عدة نقاط جوهرية، أبرزها: ضمان متبادل بعدم التصعيد العسكري، خاصة في الجنوب السوري، حيث الجبهة الأشد حساسية من الناحية الإسرائيلية. وضبط أي نشاط مسلّح غير منضبط داخل الأراضي السورية، مع ما يتضمّنه ذلك من تثبيت السيادة الوطنية كأولوية. والتفاهم على ترتيبات مراقبة أو تنسيق غير مباشر بوساطة أطراف ضامنة – على الأغلب أميركية أو أممية – دون أي وجود أجنبي دائم. وكذلك الاتفاق على فتح قنوات فنية وأمنية، لكن من دون إعلان سياسي رسمي، في هذه المرحلة على الأقل.

وأشار الحاج علي إلى أن الحديث عن مواجهة المحور الإيراني لم يعد جزءًا من الواقع السوري الميداني، فـالوجود الإيراني العسكري، كما مجموعاته المرتبطة به، لم يعد قائمًا بالصيغة السابقة، لا من حيث الحضور ولا من حيث التأثير، وهو ما أسّس لتحوّل فعلي في بنية القرار الأمني السوري.

بدوره رأى علوان أن: "سوريا منفتحة للجلوس على طاولة المفاوضات ولكن هناك الكثير من الملفات المعقدة، ورغم أن واشنطن بمقدورها إيجاد حلول نسبية لبعضها لكن هذا لا يلغي أن الملفات معقدة جداً، وأهمها أن إسرائيل تمارس نوعاً من الوصاية والتدخل في بناء سوريا الجديدة. وسيكون هذا الملف بالإضافة إلى ملف المقاتلين الأجانب وتركيبة سوريا الداخلية من أهم الملفات الحاضرة على طاولة المفاوضات". لكنه اعتبر أن الملف الأكثر مباشرة في العلاقة بين الطرفين هو العودة إلى اتفاق 1974 بما يشمله من انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما قبل 8 ديسمبر. مشدداً على أن الكرة في ملعب إسرائيل.

وأشار شكيب إلى أنه دستورياً لا يحق لحكومة انتقالية توقيع اتفاق سلام مع أي دولة أخرى لأن معاهدات السلام يجب أن تتم عبر سلطات شرعية ومنتخبة وهذا لن يتحقق قبل 5 سنوات وفق خريطة المرحلة الانتقالية.

(اخبار سوريا الوطن 1-النهار)

مشاركة المقال: