عنب بلدي – كريستينا الشماس: عززت تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس براك، والتسريبات في الصحافة الغربية والإسرائيلية، التكهنات حول محادثات جادة بين سوريا وإسرائيل بوساطة أمريكية وخليجية، للوصول إلى اتفاقيات غير محددة المعالم. الاحتمالات تتراوح بين انضمام سوريا إلى اتفاقيات "أبراهام" أو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.
أشار براك إلى بدء الحوار بين سوريا وإسرائيل، بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى الإمارات في 7 تموز الحالي. وأوضح في مؤتمر صحفي ببيروت أن الحكومة السورية الجديدة، التي تولت السلطة بعد سقوط "حليف إيران" بشار الأسد، تفتح الآن حوارًا مع إسرائيل.
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن زيارة الرئيس الشرع إلى الإمارات رسمية، دون تفاصيل حول مبرراتها أو الموضوعات التي ستُناقش.
اتفاق مرتقب
نقلت قناة "i24" الإسرائيلية عن مصدر سوري مقرب من الرئيس الشرع، قوله إن من المتوقع أن يلتقي الشرع برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في واشنطن في أيلول المقبل، قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولم تكشف القناة عن اسم المصدر.
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، صرح لعنب بلدي، أن الحديث عن مفاوضات مباشرة بين سوريا وإسرائيل تصاعد منذ لقاء الرئيس الشرع بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في السعودية في 14 أيار الماضي. وأضاف أن الهدف هو الانضمام إلى اتفاقيات "أبراهام" أو التطبيع مع إسرائيل، مدعومًا بتصريح ترامب بعرضه على الشرع انضمام سوريا إلى تفاهمات مع إسرائيل، دون أن يكون ذلك شرطًا ملزمًا.
ويرى النيفي أن الحكومة السورية تسعى لإبرام اتفاقيات أمنية وليست استراتيجية، لتجنب العدوان الإسرائيلي المتكرر، الذي يقوض أي استقرار مستقبلي في سوريا.
بالمقابل، يرى الباحث السياسي نادر الخليل أن الحديث عن اتفاقية قريبة سابق لأوانه، لكن زيارة الشرع إلى الإمارات وتصريحات براك تشير إلى تقدم في التفاهمات، وقد تكون الاتفاقية مرتبطة بملفات محددة مثل الحدود، خاصة منطقة القنيطرة.
سيناريوهات محتملة
أشار الخليل إلى سيناريو العودة لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974، بترسيم الحدود وإنشاء منطقة عازلة، أو دراسة الانضمام إلى اتفاقيات "أبراهام"، وهو سيناريو أكثر تعقيدًا ويتطلب تغييرات جذرية في السياسة السورية.
أوضح النيفي أن هناك موانع تمنع الحكومة السورية من تجاوز الاتفاقات الأمنية، وأن سوريا تريد العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك، مع التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وعدم تجاوز الحدود المتفق عليها دوليًا، لكن إسرائيل قد تستخدم العدوان اليومي كورقة ضغط.

ما اتفاقية 1974
وُقعت اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974، بعد حرب 6 تشرين الأول، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة. وتضمنت ترتيبات لفصل القوات، وحددت خطين رئيسين عرفا بـ"أ" و"ب"، يفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية. كما وافقت سوريا وإسرائيل على عمل قوة مراقبي فصل القوات التابعة للأمم المتحدة (أندوف)، للمحافظة على وقف إطلاق النار، والإشراف على الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها بشأن مناطق الفصل والتحديد. وستكون قوة مراقبي فصل القوات التابعة للأمم المتحدة تحت قيادة الأمم المتحدة المسندة إلى الأمين العام، تحت سلطة مجلس الأمن.
سوريا بين الموانع وبنود التمسك
لفت النيفي إلى أن الحكومة السورية تواجه موانع للدخول في اتفاقيات مباشرة مع إسرائيل، أبرزها افتقادها للركن التشريعي، والحاجة إلى برلمان منتخب لإبرام اتفاق صلح دائم. كما أن الذهاب إلى اتفاقيات مع إسرائيل الآن سيجعل سوريا تتفاوض دون أوراق قوة.
ويرى أن الحكومة السورية تفكر في مسار مغاير، فهي لا تمانع عقد اتفاقيات دائمة مع إسرائيل، ولكن لا تريد أن تذهب إلى صلح منفرد دون أوراق قوة، وتريد أولًا أن يكون هذا القرار منبثقًا من إرادة الشعب السوري حينما يكون هناك برلمان سوري، وأيضًا تريد أن تستعيد قسمًا من أراضي الجولان.
من وجهة نظر الخليل، يجب أن تؤكد سوريا على سيادتها الكاملة على محافظة القنيطرة، وأن تشمل أي اتفاقية بنودًا واضحة حول حقوق السوريين من سكان الجولان، والاتفاق على ترسيم الحدود بشكل واضح وإنشاء مناطق عازلة لمنع التصعيد.
وساطة إماراتية
قال الخليل إن الإمارات تلعب دورًا محوريًا في تسهيل وساطة الحوار بين سوريا وإسرائيل، مستفيدة من علاقاتها القوية مع الطرفين، وتعزيز مكانتها كوسيط إقليمي.
أشار النيفي إلى أن الدور الريادي للإمارات لا يقتصر على سوريا وإسرائيل، وإنما بين أكثر من دولة عربية، إذ تعد نفسها عرابة العلاقات الإسرائيلية- العربية في هذه المرحلة، وتستفيد من موقع سوريا الجغرافي الاستراتيجي وأهميتها للأمن والاستقرار في المنطقة.
تموضع سوري جديد بالشرق الأوسط
يرى النيفي أن أمريكا تتطلع إلى أن تكون سوريا نواة لتنفيذ السياسات الشرق أوسطية المستقبلية، بعد هزيمة إيران وخروجها من سوريا، وأن الدعم الأمريكي لسوريا ينطلق من زاوية انتقال سوريا من محور ممانع إلى محور آخر يخدم المصالح الإسرائيلية.
يرى الخليل أن أي اتفاقية بين سوريا وإسرائيل ستؤدي إلى تغييرات في التحالفات الإقليمية، وقد تستفيد دول مثل الأردن ولبنان من الاستقرار الناتج عن الاتفاقية.
بين الرفض والقبول الشعبي
يرى الخليل أن اتفاق سلام يتضمن التخلي عن مرتفعات الجولان سيتحول إلى نقطة ضعف كبيرة للسلطة الحالية، لكن اتفاقًا مرحليًا شبيهًا باتفاق فض الاشتباك قد يلقى قبولًا واسعًا.
يتفق النيفي مع الخليل في أن المصالحة المجانية مع إسرائيل مرفوضة عند الشعب السوري، ولكن فيما لو عادت أراضي الجولان إلى سوريا ربما يتحقق هذا الأمر، وأن رفض السوريين المطلق للمصالحة مع إسرائيل تراجع نظرًا إلى تجربتهم مع النظام السابق.
ويعتقد أن هناك جزءًا من القناعة بدأت تتسرب إلى الوجدان الشعبي، أنه لا بد من الخروج من نفق الحروب ونفق الأكاذيب للأنظمة البائدة، والذهاب إن أمكن إلى استعادة الحقوق، والقبول بمبدأ التعايش ربما مع الكيان الإسرائيلي، ولكن بعد استعادة الأراضي السورية على الأقل.