في سوريا، يبدو أن تهمة "النيل من هيبة الدولة" لا تزال حاضرة بقوة، ولا تحتاج إلى أدلة قاطعة. يكفي أن يكون صوتك مسموعاً لتجد نفسك متهماً بزعزعة كيان غير مرئي، وكأنه "كائن فوق دستوري".
منذ إقرارها عام 1949، أصبحت هذه التهمة سيفاً مسلطاً على رقبة كل من يعترض أو ينتقد. لا حاجة لمحامٍ أو قاضٍ، فالملف يُحسم تلقائياً: "فلان أو فلانة نالا من هيبة الدولة"! في ظل ارتفاع معدلات الفقر، يصبح التعبير عن الجوع أو الخوف أو الرغبة في الهجرة جريمة. ويزداد الأمر سوءاً عند الرفض والاحتجاج والاعتراض.
في الماضي، ربما كانت هذه التهمة توجه للشعراء الذين لم يكتبوا قصائد تمجيد، أو للعمال الذين طالبوا بقفازات واقية. ولكن مع تطور التكنولوجيا، ظهرت طرق جديدة للنيل من هيبة الدولة، مثل مشاركة منشور أو وضع إعجاب أو حتى نشر اقتباس!
لسوء حظ المحتفلين بالحرية بعد سقوط النظام، فقد تبين أن هذه التهمة "كائن فوق دستوري"، وأنها أكبر وأسرع وأذكى "مكوع" في سوريا! وقد نجد قريباً حساباً على فيسبوك يسأل شخصاً أعلن انتصاره على الجوع أو الخوف: "وين كنت من 14 سنة"؟!
في بلد تجرم التنفس إذا لم يكن في التوقيت الرسمي، لا عجب أن تصبح "التنهيدة" تآمراً، و"السكوت" اتهاماً، و"السؤال" فعلاً مريباً.