الإثنين, 14 يوليو 2025 09:39 PM

استثمار إماراتي ضخم في ميناء طرطوس يعيد لسوريا مكانتها التجارية

استثمار إماراتي ضخم في ميناء طرطوس يعيد لسوريا مكانتها التجارية

وصف الدكتور المهندس البحري سلمان ريا، خطوة توقيع اتفاقية استثمار وتشغيل وتوسعة ميناء طرطوس مع شركة "موانئ دبي العالمية" بقيمة 800 مليون دولار، بأنها تحول استراتيجي في بنية الاقتصاد السوري المنهك، وتحويله إلى مركز لوجستي إقليمي متكامل.

يرى الدكتور ريا أن هذا الاستثمار لا يمثل مجرد مشروع تأهيلي تقني، بل يعكس توجهًا اقتصاديًا نحو إعادة دمج سوريا في سلاسل الإمداد الإقليمية والدولية، من خلال بنية تحتية مرافئية قادرة على التعامل مع معايير الشحن والتجارة الحديثة.

ويوضح الدكتور ريا، المتخصص في اقتصاد النقل البحري، أن المشروع يشمل إعادة هيكلة المنظومة التشغيلية للميناء، عبر إنشاء محطة مناولة متعددة الأغراض، وتطوير مناطق لوجستية وصناعية وتجارية حرة، مما يرفع من الطاقة الاستيعابية ويعزز الكفاءة التشغيلية.

وأشار إلى أن الهدف الأساسي هو تمكين ميناء طرطوس من لعب دور فعال ضمن منظومة الموانئ الإقليمية في شرق المتوسط، كمحور عبور للبضائع العابرة (ترانزيت)، ونقطة تجميع وإعادة توزيع، تربط بين الأسواق الأوروبية والآسيوية والخليجية.

ويرى الدكتور ريا أن المشروع يفتح آفاقًا واسعة لإعادة تنشيط الاقتصاد الكلي في سوريا، من خلال توفير فرص عمل مباشرة في قطاع النقل البحري والخدمات المرفئية، وغير مباشرة في القطاعات المرتبطة بسلاسل القيمة المضافة. كما يُتوقع أن يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الإيرادات السيادية من رسوم الرسو والمناولة والتخزين والخدمات اللوجستية، بالتوازي مع تحفيز بيئة الأعمال وجذب استثمارات أجنبية مباشرة إلى المناطق الحرة المستحدثة.

ويُعد الميناء عنصرًا حاسمًا في البنية التحتية المطلوبة لمرحلة إعادة الإعمار، إذ سيسهل حركة تدفق المواد الخام والمعدات الهندسية والسلع الاستراتيجية اللازمة لعملية إعادة بناء الاقتصاد والمرافق العامة، ومن خلال هذا المشروع، تتحول طرطوس إلى بوابة تجارية دولية لا غنى عنها في السياق السوري الجديد.

أما بالنسبة لشركة "موانئ دبي العالمية"، فيمثل هذا الاستثمار توسيعًا مدروسًا لنطاق انتشارها في أحد أهم المواقع الجيوسياسية على المتوسط، فسورية تشكل نقطة تقاطع حيوية بين ممرات التجارة البرية والبحرية، وتطوير مينائها الثاني من حيث الأهمية يمنح الشركة موطئ قدم في سوق واعدة على المدى المتوسط، رغم التحديات السياسية.

وتحقق الشركة عائدًا ماليًا من رسوم التشغيل والتخزين والخدمات المضافة، مع ربحية متوقعة تتزايد مع نمو حجم المناولة البحري وتحسن بيئة الأعمال.

استراتيجيًا، يسهم المشروع في إعادة توزيع تدفقات التجارة البحرية في شرق المتوسط، ويعزز قدرة سوريا على المنافسة أمام موانئ مثل بيروت ومرسين وحيفا وبورسعيد. ومع تحديث البنية التحتية وتكاملها مع الموانئ الجافة وشبكات النقل البري، قد يتحول ميناء طرطوس إلى نقطة تجميع متقدمة للشحن الإقليمي، خصوصًا إذا ما ترافق ذلك مع اتفاقات عبور إقليمي وتسهيلات جمركية.

ومن منظور جيو-اقتصادي، يكرس المشروع تصاعد النفوذ اللوجستي لدولة الإمارات في الشرق الأوسط، في سياق تنافس محموم على موانئ ومفاصل العبور التجاري من قبل قوى إقليمية كتركيا والصين.

ويعكس المشروع انسجامًا مع رؤية الإمارات الاقتصادية 2030، التي تسعى لتحويل الاقتصاد الوطني إلى مركز عالمي للربط اللوجستي، بما يتجاوز الاعتماد على عائدات الطاقة.

في المقابل، يعكس المشروع بداية تحول اقتصادي تدريجي في سوريا، يمهد لمرحلة اندماج منضبط ضمن النظام التجاري العالمي، على أساس الاستفادة من الموقع الجغرافي والتنوع الاقتصادي الكامن، وإذا ما ترافقت هذه الخطوة مع إصلاحات إدارية وتشريعية وهيكلية، فإن الميناء قد يتحول إلى رافعة استراتيجية لاقتصاد سوري جديد قائم على الإنتاجية والانفتاح.

باختصار، يختم الدكتور ريا أن تطوير ميناء طرطوس من قبل شركة "موانئ دبي العالمية" ليس مجرد تحديث بنية تحتية، بل إعادة صياغة لدور سوريا في الاقتصاد الإقليمي، وتكريس لموقعها كمحور لوجستي قابل للنمو.

فالعائد متعدد الأبعاد في تنمية محلية، وجاذبية استثمارية، وربط تجاري عابر للحدود، ونفوذ إقليمي متنامٍ، إنها خطوة تؤسس لتوازن اقتصادي جديد في شرق المتوسط، تملي فيه الموانئ لغة المصالح، وتعيد فيه الجغرافيا رسم خرائط النفوذ عبر التجارة.

مشاركة المقال: