السبت, 26 يوليو 2025 11:22 AM

رتيان بريف حلب: عودة إلى خراب بعد تسع سنوات من النزوح

رتيان بريف حلب: عودة إلى خراب بعد تسع سنوات من النزوح

بعد تسع سنوات قضاها قسرًا بعيدًا عن قريته، عاد إسماعيل ضبعان إلى رتيان في ريف حلب الشمالي، ليجد أن الشوق الذي لازمه طوال فترة النزوح قد تحول إلى صدمة مريرة. يقول: "في اليوم الذي أعلنوا فيه تحرير البلدة، عدت فورًا. توقعت أن أبكي فرحًا، لكن دموعي امتزجت بالدهشة والألم، فالحياة اختفت، الأشجار غير موجودة، البيوت مدمرة، والطرقات مغلقة، وكأن الزمن توقف منذ رحيلنا".

رتيان، التي كان عدد سكانها يتراوح بين 7000 و8000 نسمة قبل الحرب، أصبحت اليوم مدمرة بنسبة تزيد عن 98%، كما يؤكد أحمد طحان، رئيس المجلس المحلي. ويصف الوضع قائلاً: "تعرضت البلدة لقصف يومي عنيف بسبب موقعها الاستراتيجي بين نبل والزهراء، وشهدت معارك ضارية بين الثوار وتنظيم داعش والميليشيات الطائفية".

ويضيف طحان أن "جشع الشبيحة الذين قاموا بتفكيك أسقف المنازل وسرقة الممتلكات" زاد الطين بلة، ليكتمل بذلك مشهد الدمار. لا يزال حوالي 70% من السكان يعيشون في مخيمات النزوح، بينما عاد 30% فقط، معظمهم من أصحاب المنازل التي قامت منظمة إنسانية بترميمها (110 منازل). أما البقية، فهم مثل إسماعيل، يعيشون في خيام أو يبحثون عن كرفانات رخيصة تحميهم من برد الشتاء.

يقول إسماعيل: "لم أبدأ بعد في إعادة بناء المنزل بسبب نقص المال. نصبت خيمة داخل سور البيت المدمر، وأبحث الآن عن كرفانة أعيش فيها مع عائلتي حتى يفرجها الله". يواجه المجلس المحلي تحديات كبيرة رغم جهوده. يقول طحان: "حتى المجلس تعرض للنهب، وسُرقت أثاثه وآلياته. نعمل اليوم بإمكانيات محدودة، ونحاول التنسيق مع منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية لتوفير الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والطرقات، ولكن دون جدوى حتى الآن".

من بين مدرستين في القرية، تم ترميم واحدة بالتعاون مع مديرية التربية، بينما الأخرى لا تزال قيد الإنشاء. أما المركز الصحي، فهو موجود ولكنه غير صالح للاستخدام ويحتاج إلى إعادة تأهيل عاجلة. لا يوجد فرن، ولا وسائل نقل، ولا مصدر مستقر للمياه. وفيما يتعلق بالزراعة، يشير رئيس المجلس إلى أن الميليشيات قطعت الأشجار المثمرة، مثل الزيتون والفستق، وأقامت سواتر ترابية في الأراضي الزراعية. وبسبب قلة الأمطار هذا العام، لم يتمكن العديد من السكان من زراعة أراضيهم، فالفقر والدمار استنزفا قدرتهم على العمل والإنتاج.

ويختتم الأستاذ أحمد طحان رسالته بالقول: "نوجه نداءً إلى جميع الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني للعمل على ترميم المنازل وتأهيل شبكة المياه والصرف الصحي والطرقات والمرافق الأساسية. رتيان اليوم مدمرة بالكامل تقريبًا، وتحتاج إلى خطة طارئة لإعادتها إلى الحياة".

وعلى الرغم من هذا المشهد القاتم، لا يزال الأمل موجودًا في صوت إسماعيل ضبعان، الذي يصر على أن الحياة ستعود، وإن ببطء: "رتيان ليست مجرد قرية... إنها شاهد على صمود طويل ووجع أطول. نحتاج إلى إعادة بناء المجتمع، وليس فقط الجدران. بالأمل والتكافل، يمكننا النهوض".

مشاركة المقال: