لا يمكن تجاهل رحيل شخصية عبقرية مثل زياد الرحباني. فوالدته، السيدة فيروز، تحتل مكانة واسعة في قلوبنا، وزياد نفسه يحتل مساحة كبيرة في صوت فيروز وتجربتها الفنية. إنه المبدع والابن "المشاغب" الذي دفع والدته للخروج عن لونها الهادئ والرومانسي والرصين والملتزم، اللون الفيروزي الذي أسسه وصنعه كبار المبدعين أمثال عاصي الرحباني ومنصور وإلياس وفيلمون وهبي ومحمد عبد الوهاب ومحمد محسن وسعيد عقل والأخطل الصغير وميشال طراد وجوزيف حرب وصبري الشريف.
في رسالة شخصية من صديقي الموسيقي سمير عازار، علمت أن زياد الرحباني كان متأثرًا بشدة باللون الموسيقي الغنائي الذي أبدعه الرحابنة، لكنه اختلف عنهم فنيًا بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. تجلى ذلك في مسرحية "شي فاشل/1983"، وخاصة في مشهد "أبو الزلوف"، حينما يخاطبه قائلًا: "عالمك البسيط، القائم على المحبة والتآلف، يبدو الآن فاشلًا، ألا ترى كيف يذبح الناس بعضهم البعض؟".
هذا الافتراق الفني عن الرحابنة منح زياد الرحباني شخصية موسيقية فريدة. ففي الساحة الموسيقية المصرية، في زمن زكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب، كان من الصعب تصور ظهور ملحنين كبار آخرين. ومع ذلك، ظهر محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي، مما يوضح أهمية ظهور زياد الرحباني بلونه المختلف، سواء متجاوزًا أو مجاورًا للون الرحابنة.
كان بإمكان زياد الرحباني أن يطلق العنان لإبداعه من خلال مطربين متميزين مثل مروان محفوظ وجوزيف صقر وجاك خليل شمعون الذي غنى معه "اختلط الحابل بالنابل"، بالإضافة إلى أصوات نسائية تتمنى أن يلحن لها زياد. لكن الأمر البديهي كان أن يتوجه إلى الهرم الكبير، فيروز، مع إدراكه أنها لن تتنازل عن المستوى الفني الرفيع الذي أسسه عاصي وفريقه، حتى لو كان ذلك لصالح ابنها زياد. ومع ذلك، لعبت عاطفة الأمومة دورًا كبيرًا في جعلها تفكر مليًا قبل رفض الأغاني التي يقترحها عليها زياد، وأن تتمعن فيها وتعيد قراءتها، حتى لو استغرق ذلك سنوات. وهكذا، اقتنعت فيروز، ولأول مرة في تاريخها، بتقديم أغنيات سريعة الإيقاع مثل "جبل الشيخ" و"عودك رنان"، بل وأغنيات لم تكن موجودة في قاموسها السابق مثل: "واحد عم ياكل خس" و"واحد عم ياكل تين" و"عَبَّق وداخت مرته" و"كان غير شكل الزيتون" و"كيفك إنته (ملا إنته)".
أود أن أضيف أن زياد الرحباني لم يكن مجرد ملحن مولع بالجاز والموسيقى الغربية، بل كان تلميذًا نجيبًا في مدرسة الأخوين الرحباني، اللذين كانا مثله مولعين بالتجريب وبأبي خليل القباني والسيد درويش. هذا يعني أن أساسه الموسيقي متين جدًا، ولذلك نجد الألحان الشرقية تطل برأسها من خلال أغنياته كلها. فمثلًا، خلال أغنية "يا نور عيني"، ذات الجرعة الطربية العالية، يقول: "قبل ما جيت، يا عفريت، كنا نغني، عالقراصية"، وفجأة ينطلق أحدهم بالشدو بأغنية صباح فخري: "القراصية منين منين، اللي اشتروها بدمع العين!"