في رد فعل على انعقاد مؤتمر "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا"، أعلنت الحكومة السورية عن تعليق المفاوضات التي كان من المقرر عقدها في باريس مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
أكد مصدر مسؤول في الحكومة السورية، اليوم السبت 9 من آب، أن المؤتمر الذي عقدته "قسد" في الحسكة، يمثل تقويضًا لجهود التفاوض بين "قسد" والحكومة السورية. وأضاف المصدر في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) أن الحكومة لن تشارك في أي اجتماعات مقررة في باريس، ولن تجلس إلى طاولة المفاوضات مع أي طرف يسعى إلى إحياء ما وصفه بـ "عهد النظام السابق" تحت أي مسمى أو غطاء.
ودعا المصدر الحكومي "قسد" إلى الانخراط في تنفيذ اتفاق 10 من آذار، كما ناشد الوسطاء الدوليين نقل جميع المفاوضات إلى دمشق، معتبرًا إياها "العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين".
واعتبر المصدر أن مؤتمر "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا" يشكل خرقًا للاستحقاقات التي بدأت الحكومة السورية في تنفيذها، بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة في شباط الماضي بهدف الوصول بالبلاد إلى بر الأمان.
كما رأى المصدر أن المؤتمر يمثل "تهربًا من تنفيذ استحقاقات وقف إطلاق النار ودمج المؤسسات، واستمرارًا في خرق الاتفاق"، بالإضافة إلى كونه "غطاء لسياسات التغيير الديمغرافي الممنهج ضد العرب السوريين"، والتي قال إن "تيارات كردية متطرفة تتلقى تعليماتها من قنديل" تنفذها.
وشبه المصدر المؤتمر بالمؤتمرات التي سعت إلى تقسيم سوريا قبل الاستقلال، مؤكدًا أن "الشعب السوري، الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال، سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجددًا، ماضيًا بثقة نحو بناء الجمهورية الثانية".
ووصف المصدر المؤتمر بأنه "التحالف الهش الذي يضم أطرافًا متضررة من انتصار الشعب السوري وسقوط عهد النظام السابق"، واتهم بعض الجهات بـ "احتكار أو محاولة احتكار تمثيل مكونات سوريا بقوة الأمر الواقع، وبالاستناد إلى دعم خارجي"، معتبرًا أن لجوء هذه الأطراف إلى مثل هذه المؤتمرات هو "هروب من استحقاقات المستقبل، ونكران لثوابت الدولة السورية القائمة على جيش واحد، حكومة واحدة، وبلد واحد".
وأكد المصدر أن الحكومة السورية تدين استضافة ما وصفها بـ "شخصيات انفصالية ومتورطة في أعمال عدائية"، معتبرًا ذلك "خرقًا واضحًا لاتفاق 10 من آذار".
وترى الحكومة أن هذا المؤتمر يمثل "محاولة لتدويل الشأن السوري، واستجلاب التدخلات الأجنبية، وإعادة فرض العقوبات"، محملةً "قسد" تبعات ذلك القانونية والسياسية والتاريخية.
وأضاف المصدر أن "طروحات المؤتمر تتعارض مع اتفاق 10 من آذار"، سواء بالدعوة إلى تشكيل "نواة جيش وطني جديد"، أو إعادة النظر في الإعلان الدستوري، أو تعديل التقسيمات الإدارية، مشيرًا إلى أن "الاتفاق نص بوضوح على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة، وضمان الحقوق على أساس الكفاءة لا الانتماء".
وفي الوقت نفسه، أكدت الحكومة السورية "حقوق المواطنين في التجمع السلمي والحوار البنّاء، سواء على مستوى مناطقهم أو على المستوى الوطني، شريطة أن يكون في إطار المشروع الوطني الجامع الذي يلتف حول وحدة سوريا أرضًا وشعبًا وسيادة".
رفض حكومي
بالتوازي مع التصريحات التي نقلتها وكالة "سانا"، انتقد مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية والمغتربين، قتيبة إدلبي، المؤتمر في تغريدة نشرها في صفحته عبر "إكس"، اليوم السبت 9 من آب.
وقال إدلبي إنه "لا يستوي الحديث عن الوحدة ورفض التقسيم بينما تعقد مؤتمرات على أسس طائفية وعرقية ويعاد فيها تصدير رموز النظام البائد تحت مسميات جديدة".
وأضاف أن "المعيار الحقيقي للوحدة هو الأفعال التي تتجسد على أرض الواقع والاستحقاقات التي تُبنى على أرض سوريا وبين أبنائها، والالتزام بمشروع وطني جامع ينبذ الاستبداد ورموزه، ويعالج جراح الاصطدام العرقي والطائفي بدل أن يعززها".
وأكد إدلبي أن "أبواب دمشق ستبقى مفتوحة لكل من أراد حوارًا جادًا وعملًا مشتركًا يهدف للوصول بسوريا إلى مستقبل أفضل يليق بكل أبنائها".
مؤتمر يدعو لدستور ديمقراطي
عقد المؤتمر، الجمعة 8 من آب، في المركز الثقافي بمدينة الحسكة، بمشاركة أكثر من 400 شخصية سياسية ودينية ووجهاء عشائر من مختلف المناطق السورية، إلى جانب ممثلين عن "الإدارة الذاتية"، وشارك فيه افتراضيًا الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، رئيس "المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر"، غزال غزال.
واختُتم المؤتمر بإصدار بيان ختامي، عبّر فيه المشاركون عن توافق على جملة من المبادئ والمطالب السياسية والاجتماعية، ركّزت على أهمية التعددية، وترسيخ اللامركزية، ورفض الإقصاء والتهميش.
ودعا البيان الذي نشرته وكالة "هاوار"، المقربة من "قسد"، إلى صياغة دستور ديمقراطي جديد لسوريا، يُكرّس اللامركزية ويضمن المشاركة السياسية الفعلية لجميع المكونات، ويراعي الخصوصيات الثقافية والدينية، ويعزز قيم العدالة الاجتماعية وحرية المعتقد.
كما أكد ضرورة مراجعة الإعلان الدستوري الراهن، الذي وصفه المشاركون بأنه لا يلبّي تطلعات السوريين في الكرامة والحرية.
وتضمنت المخرجات تأكيد أهمية العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، مع الدعوة لإطلاق مسار شفاف يشمل كشف الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر، وضمان عودة آمنة وطوعية للمهجّرين، ورفض كل أشكال التغيير الديمغرافي القسري.
وأبدى المشاركون دعمهم الكامل لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، واعتبروها نواة لبناء جيش وطني جديد، مؤسساتي ومهني، يحمي حدود البلاد ويعبّر عن جميع مكوناتها.
ودعا المؤتمر في ختامه إلى عقد مؤتمر وطني سوري جامع، تشارك فيه جميع القوى الديمقراطية والوطنية، بهدف رسم ملامح هوية وطنية سورية جامعة، وبناء سوريا تعددية ديمقراطية لا مركزية، تُصان فيها كرامة الإنسان، ويُعاد فيها الاعتبار للمجتمعات المهمّشة.
وأوضح المنظمون أن الوثيقة التي اتفق عليها المجتمعون في المؤتمر ستُنشر رسميًا خلال الأيام المقبلة، لتكون بمثابة خارطة طريق للحوار الوطني السوري.