رغم مرور عقد على رحيله، لا يزال اسم عالم الآثار السوري، خالد الأسعد (1934 ـــ 2015)، يثير الإعجاب والتقدير. ليس فقط بسبب الطريقة المأساوية التي أنهى بها تنظيم «داعش» حياته، بل أيضاً لندرة الأشخاص الذين يكرسون حياتهم لشيء ما، ويموتون من أجله.
كان الأسعد يُلقب بـ «حارس تدمر الأمين». وقد استحق هذا اللقب عن جدارة، بعد أن قدم حياته فداءً لقناطر تدمر وتيجانها التاريخية. شغل منصب مدير آثار ومتاحف مدينة تدمر الأثرية في محافظة حمص (وسط سوريا) من عام 1963 إلى عام 2003.
استشهد الحارس عن عمر يناهز 82 عاماً، قضى معظمها في حماية آثار تدمر والتجول بين جنباتها وتفقدها، ومواجهة التحديات المتمثلة في تهريب الآثار والطامعين بها، وصولاً إلى سيطرة «المد الأسود» على المدينة الأثرية وتخريبها.
مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، ووصول «داعش» إلى مشارف تدمر، حافظ الأسعد على الآثار التي اعتبرها «أمانة في عنقه». وعندما أدرك نوايا التنظيم المتطرف، قام بتهريب بعض القطع الأثرية الثمينة إلى مكان آمن.
ورغم دعوات الخروج من تدمر، بقي الأسعد في المدينة التي أحبها، حتى استشهد على أرضها.
قتل التنظيم الباحث السوري بطريقة وحشية، لأنه رفض أن يمنحهم أي معلومات عن تدمر وآثارها، رغم احتجازه في ظروف قاسية. أراد التنظيم الحصول على خريطة الكنوز المزعومة، أو تدمير الآثار التي لم يتمكنوا من نقلها.
بتهمة العمالة وحماية الأصنام، عُلِّق الأسعد في عام 2015 جثة منزوعة الرأس على عمود كهربائي في أحد شوارع مدينة تدمر. كان الهدف أن يكون عبرة لكل من يخالف أوامرهم. لكنهم بذلك منحوا خالد الأسعد نهاية بطولية، وأصبح قدوة للأجيال.
اسمه يتردد اليوم في المتاحف العالمية، وأشاد به مسؤولو اليونسكو بعد استشهاده، مؤكدين أنه مات لأنه لم يخن التزامه تجاه تدمر.
عمل الأسعد خلال أربعة عقود في منصبه كمدير لآثار مدينة تدمر مع بعثات أثرية دولية من الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، وسويسرا. لعب دوراً محورياً في توجيه البعثة الوطنية للتنقيب والترميم في تدمر وباديتها الواسعة، وأدار الجانب السوري في جميع البعثات السورية والأجنبية المشتركة.
من أبرز اكتشافاته الأثرية كانت منحوتة «حسناء تدمر»، التي عُثر عليها عام 1988. كما قاد اكتشاف عدد من المدافن المهمة، بما في ذلك مدافن أسرة بولحا بن نبو شوري، وأسرة زبد عته، وبورفا وبولحا، وطيبول.
أشرف على ترميم بيت الضيافة عام 1991، وإعادة بناء أكثر من 400 عمود كامل على طول الشارع الطويل الشهير وفي معبد بعلشمين.
ألّف الأسعد ما يقرب من 40 منشوراً، شملت كتباً ومقالات، مكرسةً لآثار تدمر وسوريا. كان يتحدث لغات أجنبية عدة، وأتقن اللغة الآرامية، اللغة القديمة الأصلية لسوريا، وترجم نصوصها بانتظام حتى عام 2011.
نظّم عدداً من المعارض التي تعرض آثار تدمر، ما أتاح تاريخ الموقع لجمهور أوسع. ونال عدداً من الجوائز والأوسمة الوطنية والدولية المرموقة.
بعد استشهاده، أُطلق اسمه على منطقة أثرية أعيد تأهيلها في مدينة بيزا الإيطالية. وتم تأسيس «جائزة خالد الأسعد لأفضل اكتشاف أثري» في مدينة بيستوم التاريخية.
خُلدت قصته في فيلم «دم النخل» الذي صدر عام 2019، ورسوم كاريكاتورية.
في ذكراه العاشرة، كتب نجله طارق رسالة ذكّر فيها بأنّ والده قُتل دفاعاً عن تراث سوريا. وجاء في الرسالة: «بالنسبة إليه، كانت تدمر درّة الحضارة السورية وبوابتها إلى العالم... من فضلكم، دعوني بين أنقاضها، حيث ولدت وعشت، وسأموت واقفاً هنا، تماماً مثل أعمدتها ونخيلها».
واختتم طارق رسالته قائلاً إنّ والده يستحق أن يكون القدوة التي يجب اتباعها، متمنياً السير على الطريق الذي سلكه.
قصة خالد الأسعد هي صرخة في وجه الجهل، وشهادة على أن الجذور التاريخية جزء لا يتجزأ من هوية البلاد.