ينطلق صندوق التنمية السوري غداً، ليشكّل أداة جديدة في المشهد الاقتصادي السوري. يُعوَّل على الصندوق كمؤسسة قادرة على جذب التمويل وتوجيهه نحو أولويات إعادة الإعمار وتحسين الخدمات الأساسية. لكن نجاحه يبقى مرهوناً بقدرة الدولة على توفير الشفافية وبناء الثقة محلياً وخارجياً.
أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري، اعتبر في حديثه لـ”الوطن” أن إطلاق الصندوق يوفّر “وعاءً مؤسسياً” لتجميع الموارد وتنسيق الإنفاق الاستثماري، وهو مفيد نظرياً لاستقبال أموال إعادة الإعمار. لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن الواقع الاقتصادي مرهق والعملة متراجعة والثقة بالمؤسسات ضعيفة. ولفت إلى أن تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية مؤخراً قد يسهل التحويلات والاستيراد، لكنه لا يكفي لمعالجة ضعف الحوكمة والمخاطر السيادية. ويمكن اعتباره خطوة استباقية ممكنة الفائدة لن تظهر أثراً ملموساً دون شفافية عالية وآليات تنفيذ محترفة وتمويل خارجي فعلي.
قدرة الاقتصاد المحلي على التمويل
يرى حزوري أن قدرة الاقتصاد المحلي على تمويل الصندوق محدودة نتيجة تدهور القوة الشرائية وارتفاع الأسعار المستمر، رغم بعض الإصلاحات الأخيرة. ورجّح أن التبرعات الداخلية لن تكون مؤثرة في مشاريع البنية التحتية الكبرى، مؤكداً أن الدور الأهم سيأتي من الجاليات السورية في الخارج، ومن التبرعات بالعملة الصعبة، إضافة إلى المنح أو المساهمات المؤسسية إذا توافرت.
الأولوية بين الخدمات والإنتاج
شدد حزوري على أن الترتيب الأمثل اقتصادياً يقوم على مرحلتين متداخلتين: البدء أولاً بمعالجة عنق الزجاجة الخدمي عبر الاستثمار في الماء والكهرباء والطرق والمرافئ، لتقليل كلفة الإنتاج وتمهيد عودة النشاط الخاص. ثم الانتقال إلى مشاريع إنتاجية مختارة ذات مضاعف مرتفع وتشغيل كثيف، مثل مواد البناء والغذاء والإسكان الميسر. وأكد أن تجاوز هذه الأولوية سيقلّص الأثر التنموي ويضاعف المخاطر.
القرض الحسن مقابل التمويل التقليدي
بيّن حزوري أن القرض الحسن يخفّض كلفة رأس المال ويسهّل الشمول المالي، لكنه قد يخلق مخاطر إذا غابت معايير الانتقاء والحوكمة. وأشار إلى أن القروض التقليدية تساعد على تسعير المخاطر لكنها تزيد الأعباء على المستثمرين. بينما الاستثمار المباشر يتيح تقاسم المخاطر والعوائد ويحسّن الحوكمة، لكنه يتطلب مناخاً قانونياً واضحاً.
نقص العملات الصعبة
لفت حزوري إلى أن مشاريع كبرى مثل الكهرباء والمياه تحتاج مكونات مستوردة بالدولار أو اليورو، ما يجعل من الضروري تخصيص “جيب عملات صعبة” من التبرعات والتحويلات الخارجية وربطه بالمشاريع ذات المكوّن الاستيرادي المرتفع. وأكد أهمية استخدام حسابات خارجية وخطابات اعتماد لتخفيف المخاطر في التعاملات.
برنامج “المتبرع الدائم”
رأى حزوري أن برنامج “المتبرع الدائم” يمثل صيغة للتمويل الجماعي الرسمي يمكن أن ينجح إذا توافرت له شروط أساسية: شفافية مطلقة، تقارير متابعة شهرية، ربط التبرعات بمخرجات قابلة للقياس، توفير بوابات دفع دولية بالعملات الصعبة، إلى جانب حوافز معنوية تشجع المتبرعين.
الارتباط برئاسة الجمهورية
أشار حزوري إلى أن ارتباط الصندوق برئاسة الجمهورية يمنحه سرعة أكبر في اتخاذ القرار وتنسيقاً عابراً للوزارات وقوة تفاوضية أعلى مع الشركاء الخارجيين. لكنه نبّه إلى أن هذا الارتباط قد يخلق مخاطر التسييس وتراجع الاستقلالية وضعف المحاسبة، مؤكداً أن الحل يكمن في تأسيس مجلس أمناء متنوع بصلاحيات فعلية، ونشر العقود، وتطبيق نظام مشتريات شفاف.
الوطن- محمد راكان مصطفى