الثلاثاء, 23 سبتمبر 2025 03:51 PM

النقش المثير للجدل: لماذا يطالب به نتنياهو وترفض أنقرة تسليمه؟

النقش المثير للجدل: لماذا يطالب به نتنياهو وترفض أنقرة تسليمه؟

في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم حرب في غزة، خطابًا حادّ اللهجة خلال فعالية أُطلق عليها اسم افتتاح النفق القديم في متنزه “مدينة داوود” الأثري بالقدس الشرقية، بحضور وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.

استغل نتنياهو المناسبة ليؤكد، بلهجة متحدية، أن القدس هي “العاصمة الأبدية لإسرائيل” بدعم أميركي، ولن تُقسَّم مطلقًا، نافياً وجود أي كيان اسمه “الدولة الفلسطينية”. كما وجه رسالته مباشرة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: “القدس لنا، وستبقى لنا إلى الأبد ولن تُقسَّم”.

واعتبر هذا الخطاب تحديًا صارخًا للمجتمع الدولي، إذ تجاهل قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى حل الدولتين، وتغافل عن اعتراف 147 دولة بفلسطين، في وقت تتزايد فيه المساعي الأوروبية للاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.

واستهل نتنياهو كلمته بسرد رواية تاريخية عن نقش حجري قديم يقول إنه يثبت ملكية اليهود للقدس، مشيرًا إلى أن اللوح موجود في تركيا لكن أنقرة رفضت تسليمه بسبب موقف أردوغان. هذه القصة جذبت انتباه الحاضرين ووسائل الإعلام أكثر من خطابه السياسي نفسه.

ويعود النقش إلى أكثر من 2700 عام، حين واجهت القدس في عهد الملك الآشوري سنحاريب حصارًا عطّل وصول المياه من نبع سلوان خارج الأسوار. وللتغلب على الأزمة، أمر ملك يهوذا حزقيا بحفر نفق يصل النبع بالمدينة، وعند اكتماله نُقش نص عبري على لوح حجري يصف عملية الحفر.

وفي عام 1880، وخلال التنقيبات في العهد العثماني، عُثر على النفق والنقش في القدس الشرقية، ثم نُقل إلى إسطنبول وأُدرج عام 1882 ضمن مقتنيات متحف إسطنبول للآثار. وتعتبر إسرائيل هذا النقش بمثابة “صك ملكية” تاريخي للقدس، وتسعى منذ سنوات إلى استعادته، لكن تركيا رفضت مرارًا.

وبحسب رواية نتنياهو، فإنه في عام 1998 طلب من رئيس الوزراء التركي آنذاك مسعود يلماز الحصول على اللوح بأي ثمن، لكن الأخير رفض “خشية رد فعل إسلامي تقوده شخصية مثل أردوغان” الذي كان يشغل حينها منصب رئيس بلدية إسطنبول. غير أن شهود تلك المرحلة، مثل النائب السابق فيضي إيشباشاران، نفوا حدوث مثل هذا الحوار واتهموا نتنياهو باختلاق القصة.

إسرائيل، رغم ذلك، لم تتوقف عن مطالبة أنقرة بتسليم النقش، وكان آخر طلب رسمي في مارس/آذار 2022 عقب زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لتركيا، حيث روّج الإعلام الإسرائيلي لوجود تفاهم مبدئي حول استبدال النقش بقطعة أثرية أخرى. لكن أنقرة أوضحت أن النقش اكتُشف في القدس الشرقية الفلسطينية، وبالتالي لا يمكن تسليمه لإسرائيل.

النص المنقوش على اللوح، المكتوب بالعبرية باستخدام الأبجدية الفينيقية، يصف بدقة عملية حفر النفق ولقاء العمّال القادمين من جهتيه حتى التقى المجرى في نقطة واحدة، ما جعل النقش وثيقة تاريخية ذات بعد ديني وسياسي معقد. من وجهة نظر إسرائيل، هذا اللوح دليل على “يهودية القدس الخالصة”، بينما تراه تركيا والمجتمع الدولي جزءًا من الإرث الفلسطيني التاريخي المكتشف في القدس الشرقية.

لم يكتف نتنياهو بذكر النقش، بل أطلق تصريحات أكثر حدة، قائلاً: “سيد أردوغان، القدس ليست مدينتك، بل مدينتنا، ولن تُقسَّم مرة أخرى. أشكر الرئيس ترامب الذي أعلنها عاصمة لإسرائيل، ويسعدني وجود ماركو روبيو الذي يدرك أن هذه المدينة تمثل جوهر التراث اليهودي-المسيحي”. وأضاف: “القوى الإسلامية واليسارية تضغط على أوروبا، لكننا نقول: لكل خطوة أحادية رد أحادي. لا وجود لدولة فلسطينية”، وذلك في وقت كانت فيه عدة دول أوروبية تتحضر للاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة.

وعلّق مسؤول أمني مختص في شؤون الشرق الأوسط على الخطاب قائلاً إنه “تحدٍّ مباشر للأمم المتحدة والعالم الإسلامي والدول التي اعترفت أو تستعد للاعتراف بفلسطين”، مشيرًا إلى أن نتنياهو كشف بوضوح ملامح “الخطة الصهيونية-الإنجيلية الأميركية” بشأن القدس وفلسطين.

وفي اليوم التالي، رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحزم قائلاً: “لن نسمح بتدنيس القدس الشريف على أيدي الغرباء. نحن المسلمون لن نتراجع عن حقوقنا في القدس الشرقية، وليواصل أتباع هتلر نوبات غضبهم كما يشاؤون”.

مشاركة المقال: