الخميس, 25 سبتمبر 2025 08:04 AM

من اللاذقية إلى العالم: عائشة تحول الإسمنت إلى تحف فنية بمشروع يلهم سيدات سوريا

من اللاذقية إلى العالم: عائشة تحول الإسمنت إلى تحف فنية بمشروع يلهم سيدات سوريا

في زاوية صغيرة لا تتعدى المتر ونصف المتر في شرفة منزلها باللاذقية، بدأت الشابة عائشة طارق خشوف (22 عاماً) رحلتها المدهشة في عالم الفن والحرف اليدوية. رحلة مليئة بالتحديات والتجارب، تحولت في نهاية المطاف إلى مشروع ناجح يبرهن على أن الإبداع لا يعرف المستحيل.

منذ نعومة أظفارها، شعرت عائشة بانجذاب قوي نحو الفنون المختلفة، من الأعمال اليدوية البسيطة إلى التلوين والرسم. وفي المرحلة الثانوية، بدأت بإنشاء لوحات بسيطة كهدايا لزميلاتها وأقاربها، تحمل أسماءهم. وتضيف عائشة: "لم أكن على دراية بأمور الحسابات أو التسويق، كنت أعرض أعمالي على (واتساب) فقط، لكنني فوجئت بالإقبال الكبير الذي حظيت به".

ومع دخولها مرحلة البكالوريا، توقفت عائشة مؤقتًا عن الرسم للتفرغ للدراسة، ونجحت في الحصول على مجموع عالٍ أهلها لدخول كلية الهندسة الطبية الحيوية، تحقيقًا لرغبة والدها. وعلى الرغم من تفوقها الأكاديمي، بقي شغفها بالفن يراودها.

رحلة البحث عن فن جديد

خلال سنوات دراستها الجامعية، اكتشفت عائشة عبر الإنترنت فناً جديداً لم يكن شائعاً في سوريا آنذاك: فن "الكونكريت". يعتمد هذا الفن على صناعة قطع ديكورية وأدوات منزلية من الإسمنت، مع إضافة لمسات فنية تمنحها جمالاً ودفئاً فريداً. سحرتها هذه الفكرة، وبدأت تبحث بكل جهد عن أسرارها، إلى أن تمكنت بعد محاولات عديدة من الحصول على قوالب السيليكون الضرورية.

وتقول عائشة: "لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، فقد أضعت الكثير من المواد وذرفت الدموع عندما لم أتمكن من تحقيق النتيجة المرجوة. ولكن مع الإصرار، بدأت القطع تنجح تدريجياً، وقبل عامين أنشأت صفحتي الخاصة وبدأت قصتي تتغير".

من زاوية صغيرة إلى زبائن حول العالم

حظيت عائشة بدعم عائلتها، بشرط أن تظل دراستها في المقام الأول. ومن زاويتها الصغيرة على الشرفة، بدأت القطع تخرج واحدة تلو الأخرى، تحمل مزيجاً من البساطة والحب، حتى وصلت إلى مختلف المحافظات السورية، وتجاوزت الحدود إلى الكويت والإمارات وألمانيا. ولم تكتفِ عائشة بالتصنيع، بل قامت في عام 2024 بتنظيم دورة تدريبية لتعليم مجموعة من الشابات فنون الكونكريت، واعتبرت هذه الخطوة "من أجمل محطات التجربة". وتستعد حالياً لإطلاق دورات تدريبية عبر الإنترنت، لتصبح مرجعاً في هذا الفن الناشئ في سوريا.

المشاريع الصغيرة… نافذة أمل في بلد منهك

تعكس تجربة عائشة الدور المتزايد للمشاريع الصغيرة في المجتمع السوري، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. فهذه المشاريع، على الرغم من بساطتها، توفر دخلاً ثابتاً وتخلق فرص عمل وتفتح المجال أمام الشباب، وخاصة النساء، ليكونوا فاعلين اقتصادياً واجتماعياً. تساهم هذه المبادرات في تعزيز الاعتماد على الذات والابتكار، وتخلق ثقافة اقتصادية قائمة على الإنتاج لا الاستهلاك. كما أن فنوناً مثل "الكونكريت" لا تقدم مجرد منتجات، بل تضفي لمسة فنية تجعل من الأشياء البسيطة قطعاً فريدة تحمل قيمة جمالية وإنسانية.

ترى عائشة أن مشروعها الصغير لم يعد مجرد هواية، بل قصة نجاح حقيقية. وتقول: "أشعر اليوم بالامتنان لتلك الفتاة التي لم تستسلم رغم قلة الإمكانيات. قطعي تصل إلى الناس لأنها ممزوجة بالحب قبل أن تكون مجرد فنون إسمنتية"، مضيفة أن حلمها هو تطوير متجرها الإلكتروني وتوسيع نطاق تدريبها ليصل إلى شابات أخريات يحلمن بخوض غمار المشاريع الصغيرة.

تبقى قصة عائشة مثالاً ملهماً لآلاف الشابات السوريات اللواتي يسعين لإعادة بناء حياتهن من بين الأنقاض، مؤمنات بأن الفن والعمل اليدوي يمكن أن يكونا مفتاحاً للأمل والكرامة في واقع مليء بالتحديات.

مشاركة المقال: