على الرغم من أن اللطف يعتبر صفة إيجابية، إلا أن دراسة حديثة تشير إلى أن المبالغة فيه قد لا تزيد من سعادتنا، بل قد تقلل من شعورنا بالرضا عن الحياة. وفقًا لمقال نُشر في مجلة Psychology Today، استنادًا إلى دراسة من جامعة أوميو السويدية (Umeå University)، قد يواجه الأشخاص الذين يتميزون بدرجة عالية من الدماثة صعوبة في تحقيق المكانة الاجتماعية أو الشعور بالإنجاز الشخصي، على الرغم من أن الجميع يحب وجودهم.
تطرح أستاذة علم النفس والعلوم العصبية في جامعة ماساتشوستس، سوزان كراوس ويتبورن، سؤالاً مهماً: لماذا قد «ينتهي اللطفاء في المؤخرة»؟ وتتناول ويتبورن في مقال نُشر عبر Psychology Today المثل القائل إن «الطيّبين ينهون السباق في المركز الأخير»، متسائلة عن السبب الذي يجعل الأشخاص اللطفاء أقل حظاً في النجاح أو الرضا عن حياتهم.
ترى ويتبورن أن الشخص اللطيف قد يكون محبوباً من الجميع، ولكنه لا يُختار بالضرورة لقيادة الآخرين، لأن دافعه الأساسي هو أن يكون محبوباً لا أن يكون مُعجباً به أو مُحترماً، مما قد يؤثر على مكانته أو شعوره بالرضا الذاتي.
في دراستهم المنشورة عام 2021 في Journal of Psychosomatic Research، قام العالمان فيليب فورس كونولي وإنغمار يوهانسون سيفا من جامعة أوميو السويدية بتحليل العلاقة بين «الدماثة» ومستوى الرضا عن الحياة. ووجدا أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدر عالٍ من اللطف قد يكونون أكثر اهتماماً بأن يكونوا محبوبين من أن يكونوا محل إعجاب أو احترام.
يوضح الباحثان أن المكانة الاجتماعية تتكون عادة من عاملين أساسيين: القيمة الأداتية الاجتماعية (الاحترام أو المكانة) والقيمة العلائقية (الشعور بالانتماء أو المحبة). ويفترض الباحثان أن الأشخاص الشديدي اللطف يحققون مستويات عالية من «القبول الاجتماعي»، ولكنهم قد يفتقرون إلى «الاحترام» أو «الإعجاب»، مما يجعلهم أقل رضا عن حياتهم على المدى الطويل.
اعتمدت الدراسة على عينة مكونة من نحو 4000 بالغ، ووجدت أن الأفراد الذين سجلوا درجات مرتفعة في الدماثة كانوا عموماً أقل رضا عن حياتهم، إلا في حال كانوا يتمتعون أيضاً بدرجة عالية من القبول الاجتماعي والعلاقات الإيجابية. وبالمقابل، أظهرت النتائج أن الأشخاص المنفتحين اجتماعيّاً (Extroverts) يميلون إلى امتلاك مستويات أعلى من القبول والمكانة معاً، وهو ما انعكس إيجاباً على رضاهم العام عن الحياة.
يرى الباحثون أن أنماط الشخصية الإيجابية تظل ذات قيمة عالية، ولكن من المهم إدراك مخاطر الإفراط في اللطف. فأن تكون لطيفاً لا يعني أن تكون متنازلاً دائماً أو أن تضع نفسك في المرتبة الأخيرة. الوعي بهذه التحديات قد يساعد على تعديل الأولويات لتحقيق توازن صحي بين التعاطف مع الآخرين والاهتمام بالذات.
يقول الباحث صامويل هنري من جامعة تارتو في إستونيا إن النتائج تحمل دلالات عملية مهمة، إذ يمكن للأنظمة الصحية مثلاً استخدام اختبارات الشخصية لرصد الأشخاص الذين يُحتمل أن يواجهوا صعوبة في إدارة صحتهم أو التزامهم بالعلاج.
تؤكد الدراسة أن اللطف قيمة إنسانية نبيلة، ولكنها ليست طريقاً مضموناً للسعادة. فالشخص اللطيف الذي يفتقر إلى القدرة على فرض حدوده أو التعبير عن احتياجاته قد يجد نفسه أقل رضا عن الحياة رغم محبة الجميع له. ومع ذلك، فإن الوعي بهذه الديناميكية يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو تحقيق توازنٍ صحي بين الطيبة و«الحزم الواعي» (assertiveness).
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار