الثلاثاء, 7 أكتوبر 2025 04:11 AM

تراجع أم تقدم؟: نظرة على مسيرة التقدم والتطور في عالم اليوم

تراجع أم تقدم؟: نظرة على مسيرة التقدم والتطور في عالم اليوم

بقلم: مالك صقور

إذا كان لينين قد كتب ذات يوم "خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء"، فإن الإنصاف يقتضي اليوم أن نكتب: "مئة خطوة إلى الوراء". وكذلك فكرة "التقدم" التي يزعم المفكر الفرنسي فرنسيس بيكون أنه أبدعها وأطلقها في القرن السابع عشر لتتحد مع نظرية "التطور".

في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، لم ينفصل التقدم عن التطور فحسب، بل يمكن القول إن الإمبريالية تمكنت من سحق التقدم والتقدمية، مستغلة "التطور" ذاته في حربها ضد كل ما هو تقدمي. ولا يتسع المجال هنا للتفصيل في فكرة ومفهوم "التقدم" عبر التاريخ، وكيف تماهى مع "التطور".

الكثيرون لا يفرقون بين التقدم والتطور، مع أن تقدم وتطور الحضارات كان بفضل الاثنين معًا. فمن البديهي أنه لا يوجد تطور من غير تقدم، لكن هذا كان في زمن انتصار العقل التنويري والفلسفة والعلم حين تم فرض قيم الفضيلة والأخلاق. المقصود فلسفياً: التقدم في الفكر والمعرفة والفلسفة، أما التطور ففي مجال التكنولوجيا والابتكار والاختراع.

مثلاً: تجد شخصاً يقود أحدث أنواع السيارات، ويستخدم في منزله كل أدوات الترفيه الضرورية وغير الضرورية من الثلاجة والتلفاز والمصعد وكل الوسائط والوسائل الكهربائية والإلكترونية، لكنه رجعي الفكر، عديم المعرفة، ويقول بصراحة: لم أقرأ كتاباً واحداً في حياتي. هو يستخدم ما قدمه العلم من تطور، لكنه ليس تقدمياً.

إن فكرة التقدم التي طُرحت في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا، وخاصة في فرنسا وبريطانيا، كانت أساساً ومنطلقاً للفكر التحرري، التنويري، العلمي والعلماني. والتقدمية كمصطلح، اشتغل عليه كثيرون من المفكرين الأوروبيين غير بيكون مثل فونتفيل والراهب دوسان بيير وفولتير وتورغو ورسو وسان سيمون.

التقدم والتقدمية كانت تعني: العدالة والمساواة والتنوير وفصل الدين عن الدولة والاشتراكية. فيما بعد تبنّت الماركسية فكرة التقدم، لأن التقدم هو نواة الماركسية. وصار تحصيل حاصل، كل ماركسي يفترض أن يكون تقدمياً. ومن البديهي، صارت التقدمية العدو اللدود للرجعية والرأسمالية والإمبريالية والاستعمار.

ولكن مع الانزياحات والانحرافات والتغييرات والرياح الصفراء، منذ تسعينات القرن الماضي، غاب مصطلح الرجعية من قاموسنا السياسي ومن صحافتنا. وإذا ما التفتنا قليلاً إلى الوراء، لا سيما إلى منجزات القرن العشرين، وجدنا الأمل المنشود في حركات التحرر العالمية، وسقوط الأمبراطورية العثمانية، وانتصار الاشتراكية أول دولة عمال وفلاحين، وانكسار الفاشية والنازية وهزيمتهما، وتأسيس هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإعلان حقوق الإنسان إلى آخر ما أنتجه التقدم والقوى التقدمية.

لكن الاستعمار بقي ذاته، والإمبريالية غيّرت جلدها واستبدلت أدواتها وشحذت مخالبها وسخرّت كل ما أنتجه التطور المذهل في حقل التكنولوجيا العسكرية والتقانات الإلكترونية على حساب التقدم الذي انحسر وتراجع. التقدم الذي كان وعاء الأخلاق والفضيلة والتنوير وتحرير العقل من ربقة الخرافات والعقل الظلامي.

وإن كانت أوروبا المتحضرة جداً قد أمضت أكثر من ثلاثة قرون للانتقال من عصر الظلمات (عصر القرون الوسطى) إلى عصر النهضة والتنوير والثورة الصناعية والثقافية والعقل النيّر والمستنير وفصل الكنيسة عن الدولة، فإن الردّة الرجعية على النهضة العربية وعلى ثقافة النهضة العربية ورواد النهضة العربية استغرقت ثلاثة أو أربعة عقود وسرعان ما تمّ انتشار التكفير (وكان الضحية المفكر فرج فودة ونصر حامد أبي زيد في مصر، وغيرهما كثيرون) وتعميق الطائفية البغيضة والمذهبية المقيتة، بعد أن نسيها الناس. ولم يعد احتلال الأرض شيئاً يُذكر أمام احتلال العقل، وغسل الأدمغة.

ربما توافقني عزيزي القارئ، أو لا توافقني.. لكني أرى أننا رجعنا مئة سنة للوراء، وللخلف أكثر من ألف خطوة.

(أخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: