تُعد مشاركة سوريا في "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض 2025 حدثاً اقتصادياً هاماً، يمثل بداية لمرحلة جديدة من الحضور السوري في المحافل الإقليمية والدولية. ويؤكد الخبير المالي والاقتصادي الدكتور علي محمد أن أهمية المبادرة تكمن في كونها إحدى أبرز المبادرات الاقتصادية العالمية، والتي وُصفت بـ "دافوس الصحراء"، نظراً لمكانتها كمحفل دولي يجمع قادة الدول ورؤساء الحكومات ومفكرين اقتصاديين ومديري المؤسسات الدولية وصناديق الاستثمار الكبرى.
ويشير محمد إلى أن هذه المبادرة، التي انطلقت في عام 2017 في المملكة العربية السعودية، أصبحت اليوم منصة مركزية لمناقشة التطورات الاقتصادية الراهنة والمستقبلية، خاصة في مجالات الذكاء الصناعي والطاقة النظيفة والاستثمار المستدام، مما يمنحها أهمية مضاعفة بالنسبة لسوريا التي تعود من خلالها إلى ساحات منتديات الاقتصاد الإقليمي والدولي.
عودة سوريا إلى المحافل الدولية
يرى محمد أن المشاركة السورية تحمل رمزية اقتصادية وسياسية في آن واحد، فهي تعني عودة دمشق إلى المنتديات العالمية بعد غياب طويل، وتعزز فرصها في استقطاب الاستثمارات من جميع دول العالم. فالمؤتمر يشكل بوابة للتعارف مع المستثمرين وصناديق التمويل الدولية، وقد يفتح الباب لرؤى مشتركة وتقدم رؤى استشرافية للاستثمار في سوريا تمهد لتفاهمات جديدة تُترجم لاحقاً إلى اتفاقيات استثمارية عملية، كما حدث في الشهور الماضية في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
لقاءات ثنائية ودفع العلاقات الاقتصادية
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن اللقاءات الثنائية التي يجريها الوفد السوري على هامش المبادرة تُضيف بعداً عملياً للمشاركة السورية، إذ يمكن أن تسهم في تسريع المذكرات السابقة، وتشكيل تكتلات تمويلية تضخ رؤوس أموال في مشاريع تنموية. ويعتبر أن كل لقاء سياسي أو اقتصادي رفيع المستوى في هذا السياق يُعزّز الحضور السوري في الساحة الاستثمارية الإقليمية.
القطاعات الأكثر جاهزية
ويشير محمد إلى أن جميع القطاعات السورية جاهزة ومؤهلة لاستقبال الاستثمارات الدولية، إلا أن الأولوية تتركز حالياً على البنية التحتية ورفع الأنقاض والطاقة، سواء في الكهرباء أم النفط والغاز. كما يلفت إلى أهمية الاستثمار في قطاعي التعليم والصحة، اللذين يعانيان أضراراً واسعة بسبب الحرب، منوهاً بأهمية مبادرات رجال الأعمال الخليجيين الأخيرة لإعادة تأهيل المدارس والمرافق الصحية التي تمثل أنموذجاً إيجابياً لما يمكن تحقيقه من شراكات فاعلة، إضافة لعملية الاستثمار في القطاع الإنتاجي والسياحي.
الحاجة إلى استثمار أجنبي متكامل
ويشدد محمد على أن الاقتصاد السوري بحاجة ماسة للاستثمار الأجنبي في هذه المرحلة، مع ضرورة تحقيق التكامل بين رؤوس الأموال المحلية والخارجية. ويرى أن نجاح هذا المسار يتطلب تشريعات واضحة وشفافة تنظم دخول الاستثمارات وعملها وآلية إخراج الأرباح، إضافة إلى صياغة اتفاقيات دقيقة تضمن مصالح سوريا من خلال توطين التكنولوجيا والمعرفة، وتدريب الكوادر.
الدولة والرقابة على القطاعات الاستراتيجية
ويؤكد الخبير أن القرارات الاقتصادية الكبرى يجب أن تبقى بيد الدولة، خصوصاً في القطاعات الاستراتيجية، مع اعتماد مبدأ الشراكات المنظمة المتعارف عليها بين القطاعين العام والخاص. ويشدد على أهمية وجود رقابة دقيقة وشفافية عالية في إدارة العقود والمشروعات، سواء في مراحل التنفيذ ومددها أم في تقييم النتائج، لضمان تحقيق القيمة المضافة الحقيقية للاقتصاد الوطني.
الوطن – محمد راكان مصطفى