الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 01:29 AM

سوريا: نحو عقد اجتماعي جديد يرتكز على الثقة والعدالة والمشاركة

سوريا: نحو عقد اجتماعي جديد يرتكز على الثقة والعدالة والمشاركة

منذ أن تساءل الإنسان الأول: «كيف نحيا معاً دون أن يفترس بعضنا بعضاً؟» ولدت فكرة العقد الاجتماعي، التي أصبحت جوهر الفلسفة السياسية. فالمجتمعات لا تقوم على القوة فقط، بل على معنى مشترك يوحد الناس رغم اختلافاتهم. وعندما تتآكل الثقة بين الحاكم والمحكوم، يصبح القانون ضعيفاً، يصاب الكيان الوطني بفقدان الذاكرة ويعيش بلا هدف.

في هذه الحالة، يصبح السؤال عن الشرعية والمعنى أهم من السؤال عن السلطة. واليوم، بعد سنوات من الحرب والضياع الاقتصادي، ومع ظهور بوادر رفع جزئي للعقوبات وانفتاح دولي حذر، تقف سوريا أمام فرصة للتأمل: هل يمكن أن تتحول هذه الانفراجة إلى فرصة لصياغة عقد اجتماعي جديد يعيد تنظيم العلاقة بين المواطن والدولة على أسس الثقة والعدالة والمشاركة؟

العقد الاجتماعي المنشود ليس مجرد بيان سياسي أو وثيقة دستورية، بل هو اتفاق وطني على كيفية إدارة التنوع. فسورية بلد متعدد في جوهره، وهذا التنوع هو مصدر قوته. لكن هذه القوة تزدهر فقط من خلال نظام لامركزي يوازن بين وحدة الدولة وخصوصية المكونات، بين المركز الذي يضع الاستراتيجية العامة والأطراف التي تدير شؤونها وفقاً لاحتياجاتها المحلية.

اللامركزية ليست تفكيكاً، بل هي ضمانة ضد التفكك، لأنها تجعل المشاركة واقعاً يومياً لا شعاراً مؤقتاً. فالدولة التي تريد الاستمرار في القرن الحادي والعشرين يجب أن تعيد تعريف سلطتها كخدمة للمجتمع لا سيطرة عليه. عندما يشعر المواطن في الحسكة أو درعا أو اللاذقية بأن صوته مسموع وأن قراراته المحلية تحدث فرقاً في حياته، عندها يتجذر الانتماء الوطني الحقيقي.

هذه هي روح العقد الاجتماعي: أن تتحول الدولة من مركز آمر إلى شبكة من الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة. إن رفع العقوبات الاقتصادية يجب أن يُنظر إليه كفرصة لمرحلة سياسية جديدة يمكن أن تُبنى على الانفتاح الداخلي قبل الخارجي. فالثقة لا تُفرض من الخارج، بل تُزرع في الداخل من خلال الإدارة النزيهة، وتوزيع الموارد بشفافية، وإشراك الكفاءات من مختلف المناطق والانتماءات.

لكي يتحول هذا الطموح إلى واقع، هناك ثلاثة مسارات متكاملة:

  1. مصالحة وطنية حقيقية تعيد بناء النسيج الاجتماعي على قاعدة العدالة لا النسيان.
  2. إصلاح إداري لامركزي يمنح المحافظات صلاحيات اقتصادية وتنموية حقيقية تحت رقابة الدولة.
  3. إعادة إعمار معنوية واقتصادية تبدأ من الإنسان قبل الحجر، وتربط المساعدات الدولية بمعايير الشفافية والمشاركة.

لقد تعلم السوريون أن القوة بلا عدالة تنبت خوفاً، وأن العدالة بلا قوة تظل حلماً. وحده العقد الاجتماعي المتوازن الذي يجمع بين المركزية في السيادة واللامركزية في الإدارة يمكن أن يؤسس لدولة قادرة وعادلة. إن سوريا اليوم لا تحتاج إلى ترميم الماضي، بل إلى تخطيط المستقبل. وإذا أُحسن استخدام اللحظة السياسية الراهنة، فإن اللامركزية ستصبح الجسر الذي يربط بين إرادة الدولة ووحدة المجتمع، وبين الكفاءة والشرعية. فحين يتوازن المركز والأطراف، تولد الدولة الحديثة التي لا يخاف فيها المواطن من السلطة، ولا تخاف السلطة من المواطن.

إن العقد الاجتماعي ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة وجودية لدولة أنهكتها الحرب وتبحث عن معنى جديد للحياة المشتركة. والمستقبل لن يُفتح إلا بمفتاح اسمه: المشاركة، والمساءلة، والعدالة. (أخبار سوريا الوطن-2)

د. سلمان ريا

مشاركة المقال: