الأربعاء, 12 نوفمبر 2025 12:00 PM

مسلسل «حاتم الطائي»: هل يعيد بريق الدراما التاريخية إلى الشاشة السورية؟

مسلسل «حاتم الطائي»: هل يعيد بريق الدراما التاريخية إلى الشاشة السورية؟

تتسم الدراما السورية في رمضان 2026 بالتنوع، حيث تتضمن أعمالاً اجتماعية وكوميدية وشامية وتاريخية. كان من المتوقع أن يبدأ تصوير مسلسل «حاتم الطائي» (تأليف عثمان جحا)، بعد إعلان المنتج والمخرج محمد العنزي (رئيس مجلس إدارة شركة «المها الدولية») عن عودة استراتيجية إلى السوق السورية، التي كانت نقطة انطلاق الشركة قبل عشرين عاماً، والشروع في التحضير للمسلسل الذي يروي قصة حياة أحد أبرز رموز الكرم في التراث العربي.

إلا أن كاميرا العنزي لم تبدأ التصوير بعد، مع عدم التأكد من خروج المسلسل من المنافسة الرمضانية المقبلة. يعتبر المسلسل المنتظر واحداً من أهم المشاريع التي يعمل عليها العنزي هذا العام، حيث سيجسد النجم سلوم حداد شخصية الشاعر الجاهلي حاتم الطائي، المعروف بكرمه وفروسيته ونبله، حتى أصبح اسمه مرادفاً للسخاء في الذاكرة العربية.

لطالما شكلت الأعمال التاريخية ركناً أساسياً في الدراما السورية خلال المواسم الرمضانية، وحققت معظمها انتشاراً واسعاً في بداية الألفية الجديدة. وقد جذبت هذه الأعمال رؤوس الأموال الخليجية التي اعتمدت على مبدعين سوريين في إنتاج العديد من الأعمال.

وعلى الرغم من كثرة هذه الأعمال، لا يزال بعضها حاضراً في الذاكرة حتى اليوم، مثل مسلسل «الزير سالم» (تأليف ممدوح عدوان وإخراج حاتم علي عام 2000)، حيث جسد النجم سلوم حداد شخصية عدي بن ربيعة، الذي تدور قصته حول فارس وشاعر ينتمي إلى حقبة الجاهلية قبل الإسلام، وأحداث حرب البسوس والأخذ بالثأر بسبب قتل جساس لكُليب.

وعلى خلفية انتفاضة الأقصى التي بدأت خريف عام 2000، تم تصوير سيرة صلاح الدين الأيوبي ومعركة حطين الشهيرة واستعادة القدس، بعدسة المخرج حاتم علي ونص الكاتب وليد سيف الذي قدم الرواية التاريخية، فيما جسد الشخصية النجم جمال سليمان، مبتعداً عن المساحات الطائفية الشائكة. وفي هذا السياق، نشأت شراكة الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي، اللذين قدما أهم الأعمال في تاريخ الدراما العربية عبر ثلاثية الأندلس («صقر قريش»، و«ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف»).

قد تكون الدراما التاريخية هي النواة الأولى للأعمال المشتركة، حيث اعتمدت على جمع نجوم عرب في عمل واحد، بمن فيهم الفنانون الخليجيون والمغاربة واللبنانيون، في خليط متناغم مركزه اللغة الفصحى، مما جعل المشاهد العربي لا يشعر بالفجوة التي يشعر بها في الدراما المشتركة الحالية.

في المقابل، اعتمدت هذه الأعمال الموضوعية وابتعدت عن الإثارة الدينية والتسييس التسويقي، سواء عبر الطرح أو عبر تجسيد الشخصيات، ونذكر منها على سبيل المثال شخصية عبد الرحمن الداخل (جمال سليمان في مسلسل «صقر قريش»).

لكن بعد الحروب والثورات العربية، تراجعت هذه الأعمال وتماشى بعضها مع السياسات المطلوبة لتمرير الأعمال الفنية، لكن ذلك لم يمنع المخرج حاتم علي والكاتب وليد سيف من تجديد اللقاء والشراكة، فكان مسلسل «عمر» (عام 2012 ــ إنتاج مجموعة «أم. بي. سي» وتلفزيون قطر ــ وبكلفة بلغت 53 مليون دولار أميركي) الذي روى سيرة الصحابي عمر بن الخطَّاب، وما دار فيها من أحداث ومعارك، وما أرساه من عدل ونظام في الدولة. وجسَّد الشخصية الممثل سامر إسماعيل، وأُوكلَ أداء صوته إلى الفنان أسعد خليفة بطريقة الدبلجة.

ليست الإنتاجات الضخمة هي العامل الوحيد الذي يضمن نجاح هذه الأعمال. فمسلسل «فتح الأندلس» الذي عُرض في شهر رمضان عام 2022، خير مثال على ذلك. يروي العمل قصة القائد طارق بن زياد خلال رحلة الفتح الإسلامي للأندلس (ألّفه ستة كتّاب هم: أبو المكارم محمد، وصالح السلتي، وصابر أحمد، ومحمد اليساري، ومدين الرشيدي، وإبراهيم كوكي ـــ إخراج محمد العنزي). وقد أثار جدلاً واسعاً في المغرب والجزائر، واتُّهم بـ«تغيير الوقائع التاريخية» ووجود الكثير من «المغالطات» بحسب النقاد.

ولجأ بعض أعضاء البرلمان المغربي إلى القضاء للمطالبة بوقف عرض المسلسل بدعوى أنّه يمثل «زعزعة للعقائد الوجدانية المترسخة لدى المغاربة»، معتبرين ــ بحسب زعمهم ــ أنّ الفتح تمّ عبر شمال المغرب وبجيوش شمال أفريقيا، ولم يكن المغرب الكبير مجرد طريق جغرافية لجيوش المشرق، كما عرض في المسلسل.

يرى السيناريست السوري خلدون قتلان أنّ شرط الضخامة الإنتاجية مهم، لكنه لا يكفي لنجاح الأعمال التاريخية، لأن المال يصنع الصورة، ولكن الفكر هو ما يصنع القيمة، لأنّ العمل التاريخي ليس ديكوراً بل رؤية تحاول أن تفهم الماضي لتضيء الحاضر. لذلك يبقى التعويل على الوعي الدرامي، وتحقيق التوازن بين ثلاثة عناصر: نص يقرأ التاريخ بعين ناقدة وإنسانية، وإخراج يعيد صياغة المشهد بروح معاصرة، والتوظيف الصحيح للإنتاج.

أما عن مدى تقبل المشاهد العربي لهذه الأعمال في زمن بات فيه عنصر الصورة متفوقاً على المحتوى، فقد أكد قتلان أنّ الجمهور العربي ذكي وحساس ولم يفقد رغبته في متابعة الأعمال التاريخية ويميل إلى الملاحم الكبرى، لكنه يفقد ثقته أحياناً في طريقة تقديمها، واللغة الفصحى ليست حاجزاً كما يظن بعضهم، بل تصبح عقبة عندما تُقال بلا روح. أما قربها من المشاهد، فيعتمد على معاصرة العمل لأسئلته الحالية، فالمسألة ليست في الزمن وإنما في الطرح.

مشاركة المقال: