الإثنين, 17 نوفمبر 2025 01:17 AM

مجسمات دمشق: نافذة على التاريخ وهدايا تذكارية تحاكي الواقع

مجسمات دمشق: نافذة على التاريخ وهدايا تذكارية تحاكي الواقع

في قلب سوق القباقبية بدمشق القديمة، يعرض عدنان منصور مجسماته الدمشقية التي تجسد رموزاً ومعالم من مختلف المحافظات السورية، مرتبة بشكل يجذب الزوار والسياح.

بدأ عدنان منصور، وهو في الخمسينيات من عمره، رحلته في صناعة هذه المجسمات منذ أكثر من عشرين عاماً. تعتبر هذه الحرفة حديثة نسبياً، حيث ظهرت بشكل واضح منذ حوالي ربع قرن.

يشرح منصور أن عمله يتطلب دقة كبيرة في تحديد قياسات المجسمات وتصميمها باستخدام الحاسوب، قائلاً: "أصمم المجسم على برنامج خاص وفق قياسات دقيقة لا تتعدى السنتيمتر، ثم يتم إرساله إلى طابعة ليزرية لتقطيع الخشب والحصول على أدق التفاصيل لإعطاء الشكل واللون والملمس المطابق للجسم الأصلي."

وأضاف منصور لمراسلة سانا: "أصنع مجسمات مصغرة طبق الأصل عن الواقع، مثل الكراسي وغرف النوم والبحرة والسيف الدمشقي والفوانيس وغيرها، لتكون قطعاً تذكارية من دمشق القديمة. إنها أكثر من مجرد هدية رمزية، بل هي شاهد حي على تاريخ عريق وحضارة غنية امتدت لآلاف السنين، وتعكس عبقرية الحرفي الدمشقي وإبداعه المتوارث عبر الأجيال."

إبداع وصبر

تعتبر المصغرات فناً تشكيلياً يعتمد على الإبداع والصبر، حيث يتم بناء مجسمات صغيرة جداً تحاكي الواقع أو تخلق واقعاً خيالياً، وتجسد الأشخاص والحيوانات والجماد، وتعيد صياغتها بأحجام أصغر بكثير من حجمها الطبيعي، باستخدام مواد بسيطة مثل الخشب والعاج والمعادن والحبال والقماش. تعتمد هذه الحرفة بشكل كبير على مهارة الحرفي، فكلما زادت دقة العمل، تطلب ذلك صبراً وإتقاناً مضاعفاً.

البعد الثقافي والسينمائي للمجسمات

تحمل هذه الحرفة بعداً ثقافياً واجتماعياً هاماً، حيث تعكس المجسمات الدمشقية ملامح البيئة الشامية. لعبت المسلسلات السورية دوراً كبيراً في انتشارها وزيادة الإقبال عليها من قبل السياح والمغتربين. تكتسب بعض النماذج المصغرة أسماء شخصيات تلفزيونية شهيرة لاقت رواجاً شعبياً، وتستخدم في الخدع السينمائية عندما تتطلب الحاجة مشاهد يصعب تنفيذها بحجمها الطبيعي، دون أن يشعر المشاهد بأي فرق.

خلفية تاريخية: فن المنمنمات (المصغرات)

على الرغم من أن صناعة المجسمات الحرفية التذكارية في سوريا تعتبر حديثة نسبياً، إلا أن فن المصغرات أو "المنمنمات" له جذور عميقة في الحضارة الإسلامية. برزت مدارس فنية متخصصة في هذا الفن، وكانت هذه الأعمال وثائق تاريخية وفنية تمثل حياة المجتمع وعاداته وتقاليده بدقة متناهية في الرسم والتفاصيل.

تظل المجسمات المصغرة الحالية، وإن تطورت في موادها وأدواتها (مثل الطابعات الليزرية)، امتداداً لتقليد فني حضاري عريق يهدف إلى حفظ الذاكرة البصرية والتعبير عن الهوية الثقافية والتراثية الغنية للمنطقة.

مشاركة المقال: