الجمعة, 21 نوفمبر 2025 03:15 PM

السودان: ما وراء الحرب.. الإخوان المسلمون واستراتيجية البندقية

السودان: ما وراء الحرب.. الإخوان المسلمون واستراتيجية البندقية

في حين يرى البعض أن الحرب في السودان مجرد صراع بين الجيش النظامي وميليشيا متمردة، يكشف التدقيق في عمق المأساة حقيقة أكثر تعقيدًا. فالرواية التي يقدمها الإعلام العربي، بقيادة الدعاية الإخوانية، تخفي صراعًا بين رؤيتين لمستقبل البلاد: رؤية تنتمي إلى الماضي الاستبدادي، وأخرى تتطلع إلى فجر مدني.

منذ اندلاع الثورة السودانية في عام 2019، طالب الشارع بتغيير جوهر السلطة، والانتقال من دولة شمولية تستمد شرعيتها من البندقية إلى دولة مدنية تستمد شرعيتها من إرادة الشعب. لكن الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان)، التي حكمت البلاد عبر الجيش بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير لثلاثة عقود، لم تتصالح مع هذا التحول، وظلت في حالة استنفار لاستعادة نفوذها.

العلاقة بين الجيش وقوات الدعم السريع لم تكن خصومة محتومة، بل كانا ركنين أساسيين في منظومة حكم واحدة، يعملان بتناغم ويتقاسمان النفوذ. وعندما انقلبا على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021، فعلا ذلك كتوأمين سياسيين.

كان انقلاب أكتوبر 2021 الشرارة الأولى للحرب، حيث أسقط الجنرالان المسار الديمقراطي لإعادة البلاد إلى قبضة مشروع الإسلام السياسي. لكن التصدع بدأ من داخل هذا المعسكر، وفتحت لعبة الغدر المتبادل الباب لصراع يصعب التحكم فيه.

رأت الحركة الإسلامية في الجيش أداتها لاستعادة السلطة، بينما اكتشفت قوات الدعم السريع أنها كانت تُقاد نحو الإقصاء بعد التخلص من القوى المدنية. وحين أدركت الفخ، اتسع الانشقاق، وانفجر في أبريل 2023 في صورة حرب شاملة.

بدلًا من مواجهة هذه الحقيقة، يقدّم الإعلام الحرب كمعركة دفاع عن الدولة ضد "مليشيا متمردة"، أو كصراع نفوذ إقليمي طمعًا في ذهب السودان. والحقيقة أن السودان ليس كنزًا يغري قوى إقليمية بإشعال حرب تُكلّف أضعاف المكاسب.

هذه الروايات تخدم غاية صرف الأنظار عن المسؤول الحقيقي، أي مشروع الإسلام السياسي الذي لم يتقبل خسارته للسلطة، ويقف اليوم خلف كتائب داخل الجيش تحرّكت لإعادة عقارب الزمن إلى ما قبل الثورة.

الحرب في السودان ليست مواجهة طارئة بين جنرالين، بل آخر محاولات "الدولة القديمة" لدفن الحلم المدني. هو صراع بين مشروع يريد استعادة سلطة دينية/عسكرية حكمت البلاد بالقمع والفساد، ومشروع مدني ديموقراطي يسعى إلى انتشال السودان من قبضة العسكرة.

العالم ينسى أنه ترك المدنيين السودانيين وحدهم في صباح الانقلاب المشؤوم، يواجهون سقوط حريتهم بلا أن تمتد يدٌ دولية لوقف الكارثة.

إدراك الحقيقة هو بداية الطريق نحو الخلاص. فالسودان لن يجد سلاماً طالما ظلّت الحرب تُقرأ بعيون مضلّلة، بينما هي في جوهرها حرب بين من يريد إعادة السودان إلى ليلٍ طويل، ومن يفتح الطريق إلى نهار ديموقراطي.

تلك هي المعركة الحقيقية: معركة على روح السودان، لا على جغرافيته.

مشاركة المقال: