الدراما السورية تقتحم ملف المعتقلات: جدل حقوقي حول تصوير أعمال فنية في «صيدنايا» و«فرع فلسطين»


يعود ملف السجون والمعتقلات السورية ليتصدر واجهة النقاش مجدداً عبر الأعمال الدرامية المنتظر عرضها في موسم رمضان 2026. تتجه الأنظار نحو هذا الموسم وسط آمال بأن ينعكس التغيير السياسي الجديد في البلاد على المستوى الرقابي، ما يتيح تناول المواضيع بجرأة أكبر. وتستعرض هذه المسلسلات مسار الأحداث السياسية من وجهة نظر «الثورة» بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وتضع المتابع في سياق التأريخ والتوثيق لها عبر الفن.
أثار إعلان مخرجين سوريين عن تصوير أعمال فنية داخل مواقع كانت تُستخدم سابقاً كمراكز اعتقال وتحقيق جدلاً واسعاً بين الحقوقيين والناجين، الذين اعتبروا الخطوة مساساً بالعدالة الانتقالية وعبثاً بمسرح الجريمة، بينما يرى المخرجون أن هذه الأماكن تحولت إلى فضاءات إبداعية.
من الأعمال التي تفتح باب المعتقلات، مسلسل «عيلة الملك» للمخرج محمد عبد العزيز، الذي سيتناول الصراع على السلطة والمال، وقضايا الفساد، وظاهرة «الخوات» الأمنية، ويكشف عن تحولات اجتماعية واقتصادية في بيئة أحد الأحياء الشعبية. وتسلط قصة المسلسل الضوء على حياة عائلة في دمشق خلال الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس السابق بشار الأسد. ويضمّ العمل نخبة من نجوم الدراما السورية، أبرزهم سلوم حداد، وشكران مرتجى، وعبد الهادي الصباغ، وديما بياعة، ولجين إسماعيل، وصفاء سلطان، ورنا ريشة، ولينا دياب.
وأوضح المخرج محمد عبد العزيز أن الأحداث تبدأ باستدعاء الأجهزة الأمنية ربَّ الأسرة المنتمي إلى الطبقة الثرية، ويعرض العمل ما كان يجري من صراعات اجتماعية وسياسية في المدة الأخيرة من حكم النظام السابق. وحول الجدل الدائر عن استخدام السجون والمعتقلات كمواقع تصوير، صرّح عبد العزيز قائلاً: «الأماكن التي كانت تُحكم منها سوريا، قد تحوّلت إلى استوديوهات، من فرع فلسطين إلى مطار المزة العسكري. من مكان كان يُحكم بالحديد والنار، إلى فضاء نجرّب فيه أدوات إبداعية».
في المقابل، علّقت الناشطة والمدوّنة السورية جمانة شتيوي على تصريحات عبد العزيز حول التصوير في «فرع فلسطين»، قائلةً: «أنا، كمعتقلة سابقة في هذا المكان، تعرّضت للتعذيب فيه، أرفض تحويل هذا المكان إلى فضاء فني للشبيحة والمجرمين. استخدام الأفرع الأمنية، التي شهدت التعذيب والاختفاء القسري والقتل، كمسارح تصوير يشكّل إهانةً مباشرة للمعتقلين والمفقودين ولأهاليهم». وحمّلت شتيوي مسؤولية هذا العبث إلى وزير العدل السوري، الذي أعطى الإذن لمحمد عبد العزيز بالدخول وتصوير مسلسله، حسب زعمها.
مسلسل «عيلة الملك» ليس الوحيد الذي يصور مشاهد داخل أفرع أمنية أو معتقلات، إذ يعتزم المخرج محمد لطفي في مسلسل «الخروج إلى البئر» التصوير في سجن صيدنايا، حيث يجسّد عصياناً وقع في ذلك السجن في عام 2008، وانتهى بمقتل العشرات من المساجين والحرّاس. وقد صرّح المخرج بأن «السلطة الجديدة رحّبت بالعمل، وقدّمت دعماً لوجستياً وتسهيلات واسعة للتصوير داخل سجن صيدنايا».
يتناول المسلسل قصص ومعاناة المعتقلين في سجن صيدنايا، ويستند إلى أحداث واقعية مثل «استعصاء صيدنايا» عام 2008، وهو من تأليف سامر رضوان، وإخراج محمد لطفي، وبطولة نجوم سوريين وعرب على رأسهم جمال سليمان وكارمن لبس. وأكّد المنتج المنفذ أسامة الحمد أنّ «العمل يتناول الاستعصاء الذي وقع في السجن عام 2008، وليس الانتهاكات أو الأحداث الأخرى»، مشدداً على أن المرحلة التي يتناولها المسلسل تضيء بشكل درامي على واقع مرّت به البلاد، وتبرز نموذجاً من أسلوب تعاطي السلطة البائدة مع الملفات.
ويشارك في بطولة العمل المقرر عرضه في موسم دراما 2026، نخبة من نجوم الشاشات السورية واللبنانية والعراقية والأردنية، على رأسهم: جمال سليمان، وكارمن لبس، ونضال نجم، وجواد الشكرجي، وعبد الحكيم قطيفان، ومازن الناطور، ونوار بلبل، ويوسف حداد، وباسم قهار، ونانسي خوري، وجفرا يونس، وطلال مارديني، ورسل الحسين، وقاسم ملحو، وروعة ياسين، وريم علي، وغطفان غنوم، وجلال شموط، وعبد الرحمن قويدر، وخالد شباط، وباسل حيدر، وفيصل أسطواني، وإسماعيل مداح، وجمال العلي، ومعن كوسا، ومصطفى سعد الدين. ويعيد «الخروج إلى البئر» الممثلة واحة الراهب إلى الدراما التلفزيونية السورية بعد انقطاع دام منذ عام 2017، على اثر مغادرتها سوريا مع زوجها المخرج مأمون البني، بسبب مواقفهما السياسية المعارضة بشدة للحكم السابق.
كما وُضع مسلسل «القيصر ـ لا مكان لا زمان» (إخراج صفوان نعمو) في دائرة الجدل، حيث خرج بعضهم في تظاهرات مطالبين بإيقافه اعتراضاً على قائمة النجوم المشاركين، خاصة إسناد دور البطولة إلى النجم غسان مسعود، نظراً لمواقفه السابقة الداعمة للنظام السوري السابق. يعتمد العمل على قصص حقيقية جرت معالجتها بطريقة درامية توثق حقبة النظام السوري السابق، خصوصاً ما يتعلق بالحرب والاعتقالات في السجون، وهو يتكوّن من عشر ثلاثيات منفصلة.
انتقدت الناشطة والإعلامية السورية وفاء علي مصطفى فكرة تناول قضية السوريين ومعاناتهم عبر الدراما، معتبرة إياه غير لائق بالموضوع، وانتهى الأمر بإيقاف تصوير المسلسل مؤقتاً. ويرى معارضو العمل أن الجراح التي خلفتها حقبة الحكم السابق لم تلتئم بعد، وأن تقديمها في عمل درامي قد يكون بمنزلة إعادة إحياء للألم، مع تخوّف من تزييف بعض الحقائق أو تجميل بعض الشخصيات.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن هذا التوجه الجديد في الدراما السورية هو مبادرة من شركات الإنتاج لإعادة تشكيل المشهد الدرامي بطريقة تتفق مع الأحداث المفصلية التي شهدها السوريون خلال العام الفائت وما رافقها من أحداث مرتبطة بالنظام السابق.
فن وثقافة
فن وثقافة
فن وثقافة
فن وثقافة