الخطة الإستراتيجية الوطنية للصحة السورية (2026-2028): إعادة بناء النظام الصحي وتأمين الخدمات للمواطنين


أطلقت وزارة الصحة السورية، بالتعاون مع هيئة التخطيط والإحصاء، الخطة الإستراتيجية الصحية الوطنية التي تغطي الفترة ما بين 2026 و 2028. تهدف هذه الخطة، التي أُطلقت يوم الاثنين 15 من كانون الأول خلال حفل أقيم في المكتبة الوطنية وحضرته عنب بلدي، إلى توفير إطار وطني شامل لمرحلة التعافي المبكر، مع التركيز على إعادة بناء النظام الصحي وتعزيز كفاءته وفعاليته لضمان انعكاس إيجابي على صحة المواطنين.
أوضح وزير الصحة، مصعب العلي، في تصريح للصحفيين، أنه تم العمل بشكل مكثف وبالتنسيق مع جميع الشركاء المحليين والدوليين والوزارات المعنية، خلال الأشهر الماضية، لإعداد استراتيجية متوسطة الأمد للقطاع الصحي في الجمهورية العربية السورية. وأشار العلي إلى أن الخطة تتوافق مع الواقع الحالي الذي وصفه بالصعب والمتعثر، وتركز على الإنسان وتضعه في صميم الأولويات. الهدف الأساسي هو تقديم خدمات طبية بمستوى عال من الجودة، وبشكل عادل وشفاف لكل المواطنين في جميع أنحاء البلاد.
ترتكز الخطة على عدة محاور رئيسية، تبدأ بإعادة تأهيل المرافق الصحية، سواء كانت رعاية أولية (مثل المراكز والمستوصفات) أو رعاية ثانوية (مثل المشافي)، مروراً بتطوير وتدريب الكوادر الصحية من أطباء ومقيمين وممرضين وإداريين، إضافة إلى تطوير الإدارة الصحية. كما أكد العلي أن الأمن الدوائي وتوفير الأدوية بجودة عالية وبأسعار مناسبة يشكل جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية، إلى جانب التحول الرقمي الذي يعزز أداء جميع أقسام الوزارة. وتشمل الخطة أيضاً إنشاء وحدة متخصصة في طوارئ الصحة العامة، على غرار الدول المتقدمة والدول المجاورة، لا سيما بعد تجربة جائحة “كورونا”، لضمان جاهزية الوزارة للاستجابة لأي طوارئ صحية مستقبلية.
كشف مدير المنشآت الصحية، واصل الجرك، أن الخطة الإستراتيجية تتضمن تحقيق توزيع عادل للخدمات والمنشآت الصحية على امتداد جميع المحافظات والمناطق، بما يضمن وصول المواطنين بسهولة إلى الخدمات الأساسية في الرعاية الثانوية والتخصصية. وتنص الخطة على توفير مستشفى مرجعي أساسي في مركز كل محافظة، يضم الخدمات المتقدمة، إلى جانب مشافٍ رئيسية في مراكز المناطق. وستسهم الخطة في توفير خدمات يعاني المرضى حاليًا من صعوبة الوصول إليها، مثل خدمات أمراض القلب والأورام، والعلاج الفيزيائي، وغسيل الكلى، مع التركيز على العدالة في التوزيع والشمولية في تقديم هذه الخدمات.
وفيما يتعلق بالارتقاء بالتخصصات الطبية، بيّن رئيس هيئة التخصصات الطبية، إياد البعث، أن الخطة تتضمن رؤية طموحة لتدريب الكوادر الطبية وإعداد خريجين على مستوى عالمي. ويشمل ذلك حوكمة التدريب الطبي لسد حاجة الوزارة للتخصصات النادرة التي شهدت نقصًا تاريخيًا (مثل التخدير وطب الطوارئ)، وزيادة مرونة نظام القبول، والسماح للأطباء بتغيير اختصاصهم ضمن شروط محددة دون فقدان السنوات التي قضوها في التخصص السابق. كما سيتم الانتقال من أسلوب التقييم الاختزالي إلى نظام تقييم تكويني مستمر، وإنشاء محاور محاكاة سريرية متكاملة لرفع جودة التدريب.
أشار مدير الدراسات والبحوث، صلاح الدين الصفدي، إلى أن جوهر مقاربة التمويل الصحي في الخطة يتمثل في تنويع مصادر التمويل لتعزيز الاستدامة المالية للمنظومة. وشدد الصفدي على أن التأمين الصحي يشكل حاجة أساسية، حيث يقوم السيناريو السوري المتجه نحو التغطية الصحية الشاملة على فكرتين رئيستين: زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة (الذي بلغ 7.8% حاليًا، ويستهدف 10.3% بحلول عام 2030) وتطوير منظومة تأمين صحي قادرة على الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من السكان.
وفي إطار توحيد الخدمات، أكد مدير الرعاية الصحية الأولية، محمد سالم، على اعتماد حزمة خدمات صحية شاملة لتحديد نوعية الخدمات التي يجب أن تقدم في كل مركز صحي، مما يحقق العدالة بين الريف والمدينة. وتشمل هذه الحزمة الوقاية، والكشف المبكر، والعلاج، وتأمين الأدوية الأساسية، وتغطي ما يقارب 90% من المشكلات الصحية التي قد تواجه الأفراد، بدءًا من الرعاية الأمومية وخدمات الطفولة وصولاً إلى توفير الأدوية للأمراض المزمنة.
أوضح مدير الرقابة الدوائية، هاني بغدادي، أن الخطة الاستراتيجية تعمل على معالجة مشكلة نقص الأدوية وارتفاع أسعارها، التي تفاقمت نتيجة انسحاب بعض الشركات العالمية وتضرر المعامل المحلية. وتركز الاستراتيجية على توطين الأدوية ودعم الصناعة المحلية، ورفع مستوى الممارسات الجيدة للتصنيع (GMP). كما تشمل تعزيز منظومة الرقابة الدوائية، وتطوير منظومة مختبرات متكاملة، واعتماد الاستيراد الذكي لتغطية الفجوات فقط، إلى جانب تنظيم سلاسل التوزيع الدوائية ومنع دخول الأدوية المهربة، بهدف توفير أدوية مستدامة ذات جودة عالية وبأسعار معقولة.
أشارت الإستراتيجية إلى أن النظام الصحي في سوريا يعاني من تحديات هيكلية، أبرزها تضرر المرافق الصحية، واستنزاف القوى العاملة الصحية ونقص الأطباء والممرضين بسبب تدني الرواتب وضعف فرص التقدم المهني. كما يهيمن التمويل الصحي على المدفوعات من جيوب المواطنين، مما يمثل نحو نصف إجمالي الإنفاق. وتؤدي الصعوبات الاقتصادية والعقوبات الدولية إلى تقييد خيارات التمويل وتفاقم نقص الأدوية الأساسية كالمضادات الحيوية وأدوية الأورام، بالإضافة إلى تحديات الحوكمة وضعف الرقابة التي تعيق الإصلاح.
صحة وجمال
صحة وجمال
⚠️محذوفصحة وجمال
⚠️محذوفصحة وجمال