حسام الدين بريمو: رائد الغناء الجماعي الذي تحدى الفردية وبنى مجتمعاً منسجماً


هذا الخبر بعنوان "حسام الدين بريمو… الغناء الجماعي في عالم يقدس الفردية" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
لم يكن تأسيس جوقة أو كورال مجرد هدف سعى إليه الفنان الراحل حسام الدين بريمو (1962 – 2022)، بل كان وسيلة ودعوة مكثفة للتعاطي مع الآخر المختلف دون تصعيد الاختلاف إلى خلاف. من هذا المنطلق، رأى بريمو في «مشروع لونا» للغناء الجماعي بحثاً عن كتلة من المواطنين الصالحين قبل أن يكونوا موسيقيين. هذه الرؤية، التي بدت غير مواتية للظروف حين التقت به لبنى شاكر عام 2012، تجعل تقييم منتجه الفني مختلفاً عن غيره، إذ يكفي رفضه لأفكار الاعتكاف والانعزال، مفضلاً طريقاً مغايراً لتحقيق غايته المرجوة، متكئاً على حلم لم يتوقف عن العمل لأجله إلا برحيله.
في فلسفة الغناء الجماعي، راهن بريمو في جوقاته الخمس التي أنشأها تباعاً ضمن مشروعه، على أن البحث عن النجومية الأحادية حالة لا يعترف بها مغنو الفرق، رغم عدم تعارضها بالضرورة مع فكرة تجاوز الأنا، ليكون الفرد جزءاً من كل. وحين سُئل عن الجدوى التي قد لا تبدو قيمة أمام الشهرة التي يحققها الظهور الفردي للفنان، أكد أن الغناء الجماعي لا يؤخر المغني الفردي بل يضيف له شيئاً آخر. لذلك، تسعى «لونا» إلى تعليم الإنسان كيف يكون جزءاً فعالاً في مجموعة، ولا تحرمه فرادته في التميز، لكنها تبعده عن الفردية في عدم إشراك الآخرين أو الاشتراك معهم في البناء الجماعي، سواء كان وطناً أو كورالاً.
مع تطور أفكاره، آمن بريمو بضرورة تعميم فن الكورال ونقله من حيزه الديني الضيق إلى المنصة الجماهيرية. وكان الدافع وراء ذلك تقديره لفن الأداء الجماعي الذي تعلمه في الكنيسة، فسعى لنشر جماليات الكورال الكنسي خارج جدران المعابد ليتحول إلى «فن شعبي» على خشبات المسارح. إضافة إلى ذلك، أدرك بريمو أن المجتمع السوري يمتلك ذائقة موسيقية راقية ومخزوناً موسيقياً مميزاً، لكنه لا يمتلك بالضرورة ثقافة موسيقية متطورة. لذلك، رأى أن دوره يكمن في تطوير هذه الذائقة عبر تقديم أشكال فنية جديدة، كما أشار مراراً إلى أن الفن الإسلامي عرف نمطاً مشابهاً للكورال من خلال فرق المنشدين، مما يشرعن ويوسع تقبل المجتمع السوري لمفهوم الغناء الجماعي المتعدد الأصوات.
على صعيد آخر، اعتبر بريمو أن ثورة الاتصالات والمعلوماتية لا تنقص من قيمة الموسيقا، بل تكتسب بفضلها إمكانيات جديدة للوصول إلى أوسع شريحة ممكنة من المستمعين، بعيداً عن المعنى التجاري الضيق. فقد قدم توليفات ومقطوعات موسيقية قوامها أبحاث ودراسات للإرث الفني الهائل في المنطقة، مؤكداً أنه لا أحد يملك إمكانية الرفض أو القبول بتجديد التراث أو حفظه. وهذا يفسر موقفه الذي يعتبر الفرق بين تجديد التراث وحفظه، كما بين المتحف والشارع، ففي الأول تتأمل كيف كانت الأشياء قديماً، وفي الثاني ترى كيف أصبحت بمرور الزمن، ولا خطأ في كليهما، طالما أن تدوين التراث والموسيقا قائم، بما يضمن حفظهما للأجيال القادمة حرفياً لتبني عليها بدورها.
فيما يتعلق بأسلوبه التدريبي، كانت منهجية بريمو شاملة، حيث ركز على الجوانب الإنسانية والاجتماعية بقدر تركيزه على التقنية الموسيقية. كان يصر على المحبة المشتركة بين الفريق، وأن أهم شيء هو «أن تحب الجو والمجموعة التي تعمل معها»، مروجاً لمفهوم أن الجميع «روح واحدة على المسرح». وإلى ذلك، درب أعضاء جوقاته على الصولفيج والغناء الفوكاليزي (Vocalise)، لكنه في الوقت ذاته ركز على بناء الثقة بالنفس ونشر «الطاقة الإيجابية». وهكذا، تجاوزت هذه الفلسفة التدريب الموسيقي التقني إلى مفهوم أعمق للعمل الجماعي الاجتماعي، حيث كان عمله يهدف إلى التغلب على صعوبة تقبل مفهوم العمل الجماعي في مجتمع يغلب عليه التنافس والغيرة الفردية.
يكثر الكلام في مشوار المايسترو وآرائه ورؤاه، ويصعب إيجازه في سطور توازي الجهد والإيمان اللذين عمل بهما، ولكن الحاجة ملحة لإطلاق مشروع وطني يؤرشف ويوثق جميع التوزيعات والنوتات الموسيقية التي أنجزها، وخاصة الأعمال المتعلقة بالتراث الآرامي والموسيقا الدينية، لضمان حفظ هذا الميراث الثقافي الفريد. كما يتوجب على المؤسسات الموسيقية والأكاديمية، لاسيما المعهد العالي للموسيقا، تبني منهجية بريمو التربوية التي ركزت على العمل الجماعي وبناء الروح الإيجابية، كأساس لتدريب قادة الجوقات في المستقبل. ولا نملك إلا أن نتذكر حرصه على صنع البهجة أينما كان.
ثقافة
ثقافة
ثقافة
ثقافة