التراث الحلبي: ذاكرة حية وهوية متجددة بجهود التوثيق والصون


هذا الخبر بعنوان "التراث الحلبي.. هوية متجددة تجمع بين الأصالة والإبداع" نشر أولاً على موقع sana.sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
لطالما احتفظت مدينة حلب، على مر العصور، بمكانتها المرموقة كمركز حيوي للفنون والصناعات الحرفية، ووجهة رئيسية للباحثين عن الأصالة والجمال. يمثل التراث الحلبي ركيزة أساسية للهوية الثقافية السورية، فهو بمثابة ذاكرة حية تنبض بالحياة، تحافظ على جذورها العميقة وتجدد حضورها في وعي المجتمع. من هذا الإرث الثري، تنبع الجهود الثقافية الرامية إلى توثيق وصون التراث المادي واللامادي، تأكيداً على الدور التاريخي لحلب كمركز ثقافي عريق.
مشروعات توثيق لتعزيز صون التراث
في تصريح خاص لوكالة سانا، أوضحت مديرة مديرية التراث اللامادي في وزارة الثقافة، رولا عقيلي، أن عملية توثيق التراث الثقافي في مدينة حلب، بشقيه المادي وغير المادي، تتضمن مشاريع متعددة لتوثيق التراث الشفهي والحرف التقليدية. وأكدت عقيلي أن أعمال التوثيق في المدينة "استحوذت على جزء كبير من جهود المديرية، وذلك نظراً للثراء والتنوع الكبيرين الذي يميز تراث حلب الثقافي".
وأشارت عقيلي إلى تنفيذ مشروع لتوثيق التراث الشفهي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). وقد أسفر هذا المشروع عن جمع أكثر من 4000 استمارة جرد في أحياء حلب القديمة، مما أدى إلى توثيق 42 عنصراً من عناصر التراث الشفهي، شملت الأمثال والأساطير والحكايات واللهجات والموسيقا والأغاني الشعبية.
وأضافت عقيلي أن مشروعاً آخر، تم إنجازه بالتعاون مع منظمة التنمية السورية، ركز على توثيق الحرف اليدوية، وقد نتج عنه حصر 203 عناصر حرفية تعكس التنوع الغني للصناعات التقليدية في المدينة.
روح المجتمع تتجلى في التراث اللامادي
وأكدت عقيلي أن مدينة حلب، بما تتمتع به من عمق تاريخي وثقافي، "تتفرد بغناها بالتراث اللامادي الذي لا يعكس تاريخها العريق وثقافتها المتنوعة فحسب، بل يبرز أيضاً روح المجتمع الحلبي وتقاليده الأصيلة التي توارثتها الأجيال".
وتابعت عقيلي موضحةً: "تظهر الفنون الشعبية بوضوح في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، من خلال الأهازيج والرقصات، لتكون وسيلة حيوية للتعبير عن الفرح وتعزيز التواصل بين الأجيال، بينما تستمر الحرف اليدوية في نقل المهارات والمعارف القيمة عبر الزمن".
وأضافت عقيلي: "تعتبر الممارسات الاجتماعية، كالأعياد والمناسبات، جزءاً لا يتجزأ من النسيج اليومي للمدينة، فهي تقوي الروابط بين الأفراد وتجسد قيم التعاون والمشاركة. كما يساهم التراث اللامادي بشكل فعال في دعم السياحة الثقافية وإعادة إحياء المدينة بعد الأزمات"، مشددةً على أن هذا التراث يشكل عنصراً أساسياً في هوية حلب الثقافية، ويعكس تنوعها وثراءها الحضاري.
غنى بالموروث الحرفي والفني
من جانبها، أكدت الباحثة في التراث الدكتورة نجلاء الخضراء أن "حلب اشتهرت بحرفها التقليدية التي ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم، بدءاً من صناعة صابون الغار الحلبي الذي أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قوائم التراث اللامادي الإنساني. ويمتد هذا التميز ليشمل المشغولات النحاسية والخشبية المزخرفة، وصولاً إلى فنون التطريز والأغباني والحرير والسجاد اليدوي، التي لا تزال تزين الأسواق القديمة وتروي قصصاً عن براعة الحرفي الحلبي".
وأضافت الخضراء أن هذه الصناعات ليست مجرد مهن يدوية فحسب، بل هي ذاكرة صناعية واقتصادية حية تعبر عن روح المدينة وتاريخها العريق، وتلعب دوراً محورياً في توفير سبل العيش للحرفيين والحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي المحلي.
آفاق الحفاظ والدعم
وشددت الدكتورة الخضراء على أن صون الموروث الحلبي يتطلب استمرارية برامج التوثيق الميداني وتوسيع نطاق مراكز التدريب الحرفي. كما دعت إلى تسويق المنتجات التراثية عبر المنصات الرقمية وربطها بالمسارات السياحية والثقافية لضمان استدامتها.
وأكدت أيضاً على الأهمية البالغة للشراكة بين وزارة الثقافة والمنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونسكو، لضمان حماية واستدامة المهن التقليدية التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية السورية.
استدامة الهوية للأجيال القادمة
ويُعد توثيق التراث وصون الحرف والفنون الشعبية خطوة جوهرية لضمان نقل هذا الإرث الثمين إلى الأجيال القادمة، وتعزيز دوره الحيوي في التنمية الثقافية والاجتماعية. هذا يؤكد أن التراث الحلبي سيظل ركيزة ثابتة في الهوية الوطنية السورية ورمزاً للإبداع المتجدد.
ثقافة
ثقافة
ثقافة
ثقافة