السبت, 5 يوليو 2025 09:34 PM

الفرات يئن في دير الزور: تلوث وانحسار يهددان الثروة السمكية

الفرات يئن في دير الزور: تلوث وانحسار يهددان الثروة السمكية

عمر عبد الرحمن – دير الزور

"كلما ذهبت للصيد أعود خالي الوفاض"، بهذه الكلمات يصف "أبو محمد"، وهو صياد أسماك من المنطقة الشرقية في سوريا، وضعه بعد سنوات قضاها معتمداً على نهر الفرات كمصدر أساسي لرزقه. فنهر الفرات، الذي يُعد من أبرز الأنهار في سوريا، لطالما شكل مصدراً رئيسياً للثروة السمكية والموارد الطبيعية. إلا أن النهر شهد في السنوات الأخيرة تدهوراً كبيراً في جودة المياه بسبب التلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية والزراعية، بالإضافة إلى انخفاض منسوب المياه نتيجة للتغيرات المناخية والنزاعات العسكرية، بحسب ما يوضحه صيادو الأسماك في دير الزور.

تلوث نهر الفرات

يقول "أبو محمد" لنورث برس، إن تلوث مياه نهر الفرات قد ارتفع بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، مما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك. ويضيف: "لم نعد نستطيع أن نجد الأسماك كما كنا سابقًا، وكلما ذهبت للصيد أعود خالي الوفاض". ويشير إلى أن هذا الوضع، بما فيه من تلوث المياه ونفوق الأسماك وتراجع منسوب النهر، قد حول مهنته من مصدر للحياة إلى عبء يومي، وجعله يفكر جدياً في ترك الصيد بحثاً عن عمل آخر. ويؤكد أن الصيد لم يعد مجدياً مالياً كما كان في السابق، قائلاً: "في الماضي، كنت أجني ما يكفي من المال لتأمين احتياجات عائلتي من خلال الصيد، أما الآن فأجد نفسي مضطراً للبحث عن عمل آخر". ويطالب الجهات المعنية بإيجاد حلول مباشرة لإنقاذ ما تبقى من نهر الفرات ليتمكن من العيش من رزقه ومهنته. ويؤكد الصيادون أن الثروة السمكية قد تراجعت تدريجياً بسبب انخفاض منسوب المياه والجفاف الذي يهدد نهر الفرات منذ بضع سنوات، فضلاً عن ارتفاع التلوث والصيد خارج إطار القانون، خصوصاً في مواسم بيض السمك.

اختفاء أنواع من الأسماك

يقول مازن النجم، وهو صياد في مدينة الرقة، لنورث برس: "قبل سنوات، كان نهر الفرات مليئًا بالأسماك، وكنا نصطاد كميات كبيرة يوميًا، وكانت العائلات تعتمد علينا. لكن الآن الوضع مختلف تمامًا، المياه ملوثة والأسماك نادرة، وأحيانًا نعود دون أي شيء". ويضيف "النجم" أن "بعض الأنواع اختفت تمامًا، كنا نجد سمك الشبوط بكثرة، لكن الآن نادرًا ما نصطادها. والأسماك التي نصطادها تبدو مريضة أو ضعيفة". ويقول عبود الهرهوت، وهو بائع أسماك منذ 10 أعوام، لنورث برس: "لقد أثر انخفاض منسوب المياه على عملي بشكل كبير. كنا نتلقى كميات كبيرة من الأسماك يوميًا، لكن الآن الكميات انخفضت بشكل كبير، حتى الأنواع الجيدة أصبحت نادرة". ويضيف أن الأسعار ارتفعت، والناس لا يستطيعون الشراء كما كانوا يفعلون سابقاً. ويشير إلى أن الكثير من الصيادين يعانون بشكل كبير، مضيفاً: "ليس الصياد فقط من يعاني، بل نحن أيضًا بائعو الأسماك نعاني جميعًا".

التغيرات المناخية والنزاعات

يقول عويد طريف، وهو مسؤول في مديرية البيئة بدير الزور لنورث برس، إن "التحديات كبيرة خاصة مع التغيرات المناخية والنزاعات، ومع انخفاض منسوب نهر الفرات وكثرة النفايات التي تُلقى باتجاهه، مما يزيد من تلوث النهر". ويضيف: "نحن نسعى جاهدين لتقليل التلوث وزيادة منسوب المياه، فإن ذلك سيساعد على استعادة الحياة النهرية"، قائلاً: "نحن بحاجة لتعاون الجميع لتحقيق ذلك، وإن الوضع يتطلب جهودًا مشتركة للحفاظ على هذه الموارد الحيوية". ويشير إلى أن تهديد جودة مياه نهر الفرات وانخفاض منسوب المياه يمثلان تحديات كبيرة تهدد حياة الصيادين وعائلاتهم، مشدداً بأنه يجب على الحكومة والمجتمع المحلي العمل معًا لحماية الثروة السمكية وضمان استدامتها للأجيال القادمة. وبحسب منظمة "باكس" للسلام الهولندية غير الحكومية، انخفض منسوب مياه بحيرة الأسد أربعة أمتار بين عامي 2022 و2023. وعانت سوريا والعراق خلال السنوات القليلة الماضية من أزمة جفاف واسعة، بسبب النقص الحاد بالتدفقات المائية القادمة من تركيا، الأمر الذي تسبب بمشاكل اقتصادية وصحية للسكان. ويرى مراقبون أن استمرار تلوث نهر الفرات وانخفاض منسوب مياهه لا يهددان النظام البيئي فحسب، بل يقطعان شريان حياة رئيسي لآلاف الصيادين في سوريا، فالصيد الذي كان مصدر رزق كريم، أصبح اليوم مهنة شبه منقرضة تعجز عن تأمين لقمة العيش.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: