نشر بشار الجعفري، نائب وزير خارجية النظام السوري وسفيره الأسبق في الأمم المتحدة، بيانًا يحتج فيه على ما وصفه بـ"مصادرة أملاكه العقارية" في دمشق، متباكيًا على حقوقه كمواطن، ومدعيًا أنه أمضى أربعة عشر عامًا "مدافعًا عن الدولة والوطن".
لكن هذا الاحتجاج المتأخر لا يعكس سوى مفارقة سوداء، إذ إن الجعفري، الذي دافع لعقود عن آلة القمع، لم يعرف حرمة الملكية إلا حين طالته شخصيًا. فهو الذي لطالما غطى سياسياً عمليات مصادرة بيوت المعارضين، وسكت عن تدمير أحياء كاملة على رؤوس ساكنيها، وشارك بلسانه في شيطنة الضحايا وتبرئة الجلاد.
المحامي والناشط السياسي محمد صبرا، رئيس وفد المعارضة في مفاوضات جنيف عام 2014، يروي في منشور له حادثة تؤرخ لسلوك الجعفري وموقفه الحقيقي من السوريين ومعاناتهم، يقول: "في إحدى جلسات جنيف، تحدثت إليه مباشرة أمام الوفود والمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، ودعوته للانشقاق عن النظام والانضمام إلى الشعب، فاستشاط غضبًا، وصرخ بأعلى صوته وشتائمه، مرددًا أن ‘مجرد ذكر اسم بشار الأسد هو خط أحمر’".
صبرا يضيف أن الجعفري لم يكتفِ بتلك الشتائم، بل تابع التهديد والوعيد خارج القاعة، قائلاً له أمام وزير إعلام النظام آنذاك عمران الزعبي: "نعود إلى دمشق وسترى". وبعد أيام فقط، وفي 18 شباط 2014، اعتُقل شقيق صبرا الأصغر، محمود صبرا، في دمشق، ونُقل إلى سجن صيدنايا سيئ السمعة، ولا يزال مصيره مجهولًا حتى اليوم، رغم تدخل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون ومحاولاته إطلاق سراحه.
هذه الشهادة تكشف حجم التورط الشخصي لبشار الجعفري في سياسات الانتقام التي انتهجها النظام، ودوره في التحريض المباشر على شخصيات معارضة وعائلاتهم. وهو ما يجعل بكاءه اليوم على ما خسره من ممتلكات، ليس أكثر من مشهد إضافي في مسرحية يعاد عرضها، حيث يتحول الجلاد فجأة إلى ضحية.
إن مطالبة الجعفري بحقوق شخصية، بينما كان طوال سنوات يغطي جرائم مصادرة أملاك آلاف السوريين المهجّرين والمعتقلين والمغيبين، لا تمثل سوى صورة فاقعة لانفصام النظام عن الواقع، واستخدام أدوات الدولة لشرعنة الانتقام السياسي. وبينما يرفع الجعفري صوته مستنكرًا ما اعتبره "انتهاكًا لحق الملكية"، يظل صوت آلاف العائلات السورية المكلومة بمصير أبنائها ومنازلها المنهوبة مغيبًا… لا بيان يُنصفهم، ولا عدالة تُنقذهم من ظلّ الجناة. زمان الوصل