يعتبر الشمندر السكري محصولًا استراتيجيًا هامًا في محافظة الرقة، حيث كان تاريخيًا دعامة أساسية في الدورة الزراعية ومصدر دخل رئيسي لآلاف الأسر الزراعية. إلا أن توقف معمل السكر في الرقة، الذي يُعد ثاني أكبر منشأة من نوعها في سوريا بعد معمل الغاب، يهدد الموسم الزراعي بأكمله، مما يزيد من خسائر المزارعين الذين تعتمد معيشتهم على هذا المحصول.
توقف المعمل عن العمل منذ السنوات الأولى للثورة، نتيجة لتعرض معداته للسرقة والتخريب من قبل جهات عسكرية مختلفة، مما أدى إلى توقف الإنتاج بشكل كامل وضياع فرصة الحفاظ على سلسلة التصنيع التي تحول الشمندر إلى قيمة اقتصادية عالية. ومع عدم وجود أي مبادرات لإعادة تشغيل المعمل خلال السنوات الماضية، يواجه المزارعون واقعًا صعبًا يتمثل في موسم بلا معمل، ومحصول بلا سوق، وخسائر متزايدة.
المزارع محمد العبد من قرية الكرامة صرح لـ”سوريا 24″ بأن توقف المعمل “دمر القيمة الاقتصادية للمحصول”، وأوضح أن “موسم الشمندر السكري كان فرصة ذهبية لتحسين مستوى المعيشة. وبعد توقف المعمل، توقفت الزراعة بشكل شبه كامل، ومن يزرع اليوم يضطر لبيع الشمندر بأسعار منخفضة لمربي الأغنام كعلف فقط، بعد أن فقدنا السوق الحقيقي.” وأضاف أن المزارعين كانوا يأملون أن تعيد الإدارة الزراعية التابعة لـ”قسد” تشغيل المعمل، معتبرًا أن إعادة تفعيله “أمل لكل مزارع ينتظر موسم الحصاد لتأمين دخل السنة”، لكنه أكد: “حتى الآن لم نرَ أي تحرك جدي بهذا الخصوص.”
من جانبه، يرى المزارع عبد الرحمن الكيلاني أن آثار التعطّل لم تقتصر على توقف الإنتاج، بل دفعت الكثيرين للتخلي عن زراعة الشمندر نهائيًا. وقال لـ”سوريا 24″: “انتظرنا لسنوات أن تتم إعادة تشغيل معمل السكر، لكن دون جدوى. الجهات المعنية لم تقدم أي خطوات ملموسة، مما دفع المزارعين للبحث عن بدائل أقل مخاطرة.” ويتابع الكيلاني: “قدمنا طلبات متكررة لإدارة الزراعة وشرحنا أهمية استعادة المعمل كي يستعيد الموسم قيمته ويعود بالفائدة على الاقتصاد المحلي. لكن حتى اليوم لم نلمس أي استجابة فعلية.”
أما المزارع سامي الجاسم فيؤكد لـ”سوريا 24″ أن تأثير توقف المعمل تجاوز الجانب الاقتصادي ليصيب المجتمع الزراعي بأكمله: “كان موسم الشمندر يوفر آلاف فرص العمل، سواء في الحقول أو النقل أو داخل المعمل الذي كان يشغل مئات العمال. كل تلك الفرص اختفت مع توقف الإنتاج.” ويشير سامي إلى أن إعادة تأهيل المعمل تحتاج إلى تمويل وجهود كبيرة، لكنه يرى أنها “خطوة لا غنى عنها”: “نحن ندرك حجم التحديات، لكن المعمل يمثل حجر أساس للاستثمار الزراعي في الرقة. من دونه تبقى زراعة الشمندر معطلة ويستمر استنزاف المزارعين.”
في ظل غياب منشأة تصنيع قادرة على استيعاب المحصول، فقد الشمندر السكري قيمته التسويقية، وأصبح المزارع يتحمل تكاليف زراعته دون مردود حقيقي. كما تراجع اعتماد المزارعين على هذا المحصول الذي كان يُعدّ من أساسيات الدورة الزراعية في المنطقة، مما أثر بدوره على بقية المحاصيل وعلى القدرة الإنتاجية العامة.
ويرى خبراء محليون أن إعادة تشغيل معمل السكر لا تعني فقط إنقاذ موسم الشمندر، بل تمثل خطوة محورية لإحياء قطاع زراعي كامل كان يشكل جزءًا مهمًا من هوية الرقة الاقتصادية قبل الحرب.
يبقى مصير الموسم مرتبطًا بقدرة الجهات المختصة على اتخاذ قرار فعلي بإعادة تأهيل وتشغيل معمل السكر، مما من شأنه إنعاش الزراعة وتشجيع المزارعين على العودة إلى زراعة الشمندر. وحتى يحدث ذلك، سيظل الموسم معلقًا بين خسائر الحاضر وانتظار مستقبل قد يعيد للرقة جزءًا من مجدها الزراعي القديم.