الأحد, 16 نوفمبر 2025 08:30 PM

جمود الفكر وتداعيات المشروع التنويري: أسباب التخلف وسبل النهوض

جمود الفكر وتداعيات المشروع التنويري: أسباب التخلف وسبل النهوض

منذ قرون، تعيش منطقتنا في حالة من الجمود الثقافي الذي جرّ علينا الكثير من الويلات. هذا الجمود أبعدنا مسافات شاسعة عن ركب الحضارة. والسبب الجذري لهذا الانسداد هو الانغلاق الفكري والأسوار التي شيدها التعصب الديني حول العقول، مانعًا إياها من التفكير والإبداع والبناء.

منذ القرن العاشر الميلادي، بدأت محاربة رجال الدين والسلطة للمفكرين العرب، أمثال ابن رشد وابن حزم وابن خلدون وغيرهم من الحكماء والفلاسفة العرب المتنورين. هذا أدى إلى خلق الانسداد الفكري والتقوقع وتكرار المقولات وعجز الفكر عن التنوير والتوقف عن الإبداع في شتى العلوم.

لقد مرت أوروبا بتجربة مماثلة في القرون الوسطى، لكنها تمكنت من الخروج منها بعد حروب طاحنة، رافقها نهوض فكري تنويري قلب المنطقة رأسًا على عقب، بعد أن كان رجال الدين والكنيسة يتربصون بها. أما المشروع التنويري العربي فقد سقط سقوطًا مدويًا وفشل فشلًا ذريعًا. وما زلنا نراوح في المكان ذاته منذ قرون عديدة.

فلا يستطيع مفكر أو كاتب أن ينشر أي شيء عن الدين والسياسة، أو يحاول نقدهما، أو نقد بعض مسلماتهما، أو عن البديهيات التي تربينا عليها، وإن كانت خاطئة، حتى تقوم الدنيا ولا تقعد. لقد تضافرت جهود رجال السياسة والدين على إسقاط المشروع التنويري، مما جعلنا متخلفين عن الغرب ثلاثة قرون على الأقل.

لن نتمكن من اللحاق بركب الحضارة إلا بإنهاء هذا الانسداد الناجم عن الفهم الخاطئ للانتماء الديني والإثني والمذهبي، وذلك بتفكيك المشكلة وتشريحها، ثم تنقيتها من الشوائب والمعيقات. بهذا يتم البناء على أنقاض القديم، ما نستطيع أن نسميه نهضة حقيقية عميقة تمكننا من الانفتاح على العالم بثقة وأمان.

كم هو صعب على الإنسان أن يُختزل في التعامل معه على أنه ليس أكثر من منتج سياسي أو ديني أو حزبي أو عشائري أو قبائلي أو إثني، وليس ذاتًا لها استقلاليتها. الإنسان في عالمنا العربي بحاجة إلى ثورة ثقافية تعيد له الاعتبار في بلده، كإنسان ينتمي إلى نفسه أولًا، ليتمكن من أن يكون مواطنًا، أو لبنة لها قوتها وخصوصيتها في بناء الوطن الحر المستقل.

ولأن الديمقراطية لا يمكن تحقيقها من خلال الارتباطات التي تعتبر الإنسان منتجًا قبليًا أو حزبيًا أو دينيًا قبل أي شيء آخر، فإنها تتحول إلى ديمقراطية مزيفة، والأمثلة كثيرة. ما نحتاجه هو ثورة ثقافية فكرية تعيد إلى المجتمع الوعي بأهمية الإنسان ككائن أو فرد له دور وأهمية وخصوصية لا يجوز تهميشها أو إلغاؤها أو إقصاؤها والاستغناء عنها، لأن في هذا اعتداء على حرية الإنسان وإنسانيته، وحرمان المجتمع من الرأي الآخر المختلف، وحتى لا يكون الناس جميعهم نسخة طبق الأصل عن زعيم العشيرة أو القبيلة أو الطائفة أو الحزب، أو من ينوب عنه في المجالس والتجمعات، وعلى المنابر وفي المحافل. وأيّة قيمة للإنسان بعد هذا !! ؟؟ (أخبار سوريا الوطن-1)

بقلم: سمير حماد

مشاركة المقال: