الإثنين, 25 أغسطس 2025 02:47 AM

حذف الأصفار من الليرة السورية: بين التبسيط الشكلي والإصلاحات الاقتصادية الجذرية

حذف الأصفار من الليرة السورية: بين التبسيط الشكلي والإصلاحات الاقتصادية الجذرية

ترى الوزيرة السابقة والخبيرة الاقتصادية لمياء عاصي أن خطوة حذف الأصفار من العملة السورية قد تحقق بعض المزايا الشكلية، مثل تسهيل المعاملات المالية والتجارية وتقليل حجم الكتلة النقدية المتداولة خارج البنوك، بالإضافة إلى تأثير نفسي "محدود" في البداية. ومع ذلك، أكدت في حديث لـ"سوريا 24" أن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون علاجًا حقيقيًا للتضخم أو انهيار قيمة الليرة ما لم تصاحبها إصلاحات اقتصادية شاملة.

وأوضحت أن هذه الإصلاحات يجب أن تتضمن دعم الصناعة والزراعة، والتحكم في السياسات النقدية، وتحسين الميزان التجاري. وأضافت أن استمرار السياسات الحالية سيجعل من الصعب استعادة الثقة بالعملة الوطنية، خاصة في ظل غياب الشفافية وضعف العلاقة بين المواطنين والنظام المصرفي.

وكان حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر حصرية، قد أعلن في وقت سابق أن إصدار عملة جديدة مع حذف صفرين منها يمثل جزءًا أساسيًا من خطة شاملة لإصلاح القطاع المصرفي والمالي. وأكد أن هذه الخطوة ستساهم في تعزيز ثقة المتعاملين وتسهيل العمليات المالية اليومية، موضحًا أن العملة الجديدة ستطرح تدريجيًا إلى جانب الفئات الحالية قبل البدء في عملية الاستبدال. وأشار إلى أنها ستتميز بمواصفات فنية عالية وتقنيات مضادة للتزوير، وأن الكميات المطبوعة ستكون مدروسة بما يتناسب مع متطلبات الاقتصاد الوطني.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي زياد أيوب عربش في تصريح لـ"سوريا 24" إنه "من المستهجن أن يأتي خبر تغيير العملة من وكالة أنباء أجنبية، في قضية سيادية تهم جميع السوريين ومن يتعامل اقتصاديًا مع البلاد". وأوضح أن هذه الخطوة يجب أن تدار بشفافية ومصداقية، داعيًا حاكمية المصرف المركزي إلى الظهور عبر الإعلام المحلي، وبالتنسيق مع وزارتي المالية والاقتصاد، لشرح السياسة النقدية وقطع الطريق على المضاربات المتوقعة حتى موعد الطرح في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2025.

وأشار عربش إلى أن مجرد طباعة عملة جديدة لإزالة صورة الرئيس السابق عن فئة الألفين هو أمر "ضروري أخلاقيًا وفنيًا"، لكنه أكد أن حذف الأصفار وحده لا يكفي. وأوضح أن دولًا مثل البرازيل وتركيا وزيمبابوي قد اتبعت هذا الإجراء، وقد ساعد في تبسيط العمليات المالية وتقليل تكاليف الطباعة والتداول، لكنه لم يحل مشكلة التضخم إلا عندما ترافق مع إصلاحات اقتصادية وهيكلية أوسع.

وأضاف أنه في الحالة السورية، قد يساهم حذف الأصفار في تحسين الصورة الذهنية للعملة وتبسيط الحسابات الحكومية والتجارية، لكنه لن ينجح ما لم يدعم بإصلاحات مالية وتشريعية لمحاربة التضخم وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. وأوضح عربش أن المشكلة الأساسية تكمن في قدرة المصرف المركزي على متابعة الكتلة النقدية الورقية بعد التبديل، وأن الأموال المهربة إلى الخارج، خصوصًا في لبنان ودبي، إضافة إلى المدخرات غير المستخدمة داخل البلاد، ستعود حتمًا إلى التداول عبر عملية الاستبدال. وهذا، برأيه، قد يمنح المصرف فرصة لحصر الكتلة النقدية الكاملة، لكن الخطر يبقى في إمكانية خروجها مجددًا عبر قنوات غير رسمية إذا لم تحكم الرقابة المصرفية.

المآخذ والانعكاسات

تشير آراء الخبراء إلى أن أبرز المآخذ على خطوة حذف الأصفار تكمن في طابعها الشكلي، إذ إنها لا تغير من القيمة الحقيقية لليرة ولا تعالج أسباب التضخم. فالمواطن سيبقى أمام أسعار مرتفعة وإن كتبت بأرقام أصغر. كما يخشى أن تؤدي هذه الخطوة إلى موجة جديدة من المضاربات على الدولار، خاصة أن الأسواق أظهرت بالفعل حالة ارتباك بمجرد تداول الخبر، حيث تراجع سعر الصرف صباحًا، ثم توقع محللون أن يعاود الارتفاع مع بدء عمليات التبديل. ويحذر خبراء أيضًا من أن الكلفة المرتفعة لطباعة العملة الجديدة ستشكل عبئًا إضافيًا على خزينة الدولة التي تعاني أصلًا من عجز مالي مزمن. وهناك كذلك مخاوف من أن تؤدي عملية الاستبدال إلى إعادة إدخال الأموال المهربة أو المكتنزة، وهو ما قد يعقد مهمة المصرف في ضبط الكتلة النقدية الجديدة ويزيد من حجم الطلب على الدولار.

في المقابل، يرى قطاع واسع من السوريين أن تغيير العملة يحمل بعدًا رمزيًا وسياديًا، خاصة مع إزالة صور رموز النظام السابق عن الأوراق النقدية، معتبرين أن هذه الخطوة تمثل الحد الأدنى من التغيير المطلوب في مرحلة انتقالية تشهدها البلاد. كما أنها قد تسهل عمليًا النقل والتداول وتمنح دفعة نفسية مؤقتة للمجتمع.

اتفاق واختلاف

يتفق كل من لمياء عاصي وزياد عربش على أن حذف الأصفار أو إصدار عملة جديدة لن يشكل حلًا جذريًا للأزمة الاقتصادية في سوريا، وأن نجاحه مشروط بإصلاحات متكاملة تشمل دعم الإنتاج المحلي، وضبط السياسات النقدية، وتوفير الشفافية في إدارة القطاع المصرفي. لكنهما يختلفان في زاوية النظر: عاصي تسلط الضوء على الخلل الهيكلي في الاقتصاد والعجز التوأمي (المالي والتجاري)، بينما يركز عربش على البعد النقدي والمصرفي، محذرًا من المضاربات وغياب الشفافية في إدارة العملية.

وبينما تؤكد الحكومة، عبر تصريحات حاكم المصرف المركزي، أن إصدار العملة الجديدة يشكل جزءًا من خطة إصلاح واسعة تهدف إلى تعزيز الثقة والاستقرار النقدي، فإن قراءة الخبراء تكشف أن هذه الخطوة قد تبقى محدودة الأثر ما لم تدعم بسياسات اقتصادية أعمق تعالج جذور الأزمة المستمرة منذ أكثر من عقد.

مشاركة المقال: