تشهد مدينة حمص، اليوم الجمعة، فعاليات إحياء الذكرى الرابعة عشرة لاعتصام ومجزرة ساحة الساعة، الحدث الذي وقع في 18 نيسان/أبريل 2011، ويُعتبر نقطة تحوّل رئيسية في مسار الثورة السورية. وفي مثل هذا اليوم من عام 2011، تجمّع عشرات الآلاف من أهالي المدينة في اعتصام سلمي غير مسبوق، ليواجهوا قمعًا دمويًّا من قوات النظام، مما أدّى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.
وجاء الاعتصام بعد تشييع قتلى سقطوا في اليوم السابق (17 نيسان/أبريل 2011)، حيث تجمّع المتظاهرون للمطالبة بالحرية وإسقاط النظام السابق، لكن قوات الأمن ردّت بإطلاق نار كثيف على المعتصمين، مما أدّى إلى وقوع مجزرة هزّت المدينة. ويُحمّل سكان حمص مسؤولية المجزرة لقوات الفرقة الرابعة، بدعم من قوات الاستخبارات الجوية والعسكرية والشرطة. ووفقًا لمصادر من سكان المدينة، قاد العملية العقيد عبد الحميد إبراهيم من الاستخبارات الجوية، بينما أشرف عليها العميد حافظ مخلوف، شقيق رجل الأعمال رامي مخلوف وابن خال رأس النظام السابق بشار الأسد، من الاستخبارات العسكرية.
ولا يزال العدد الدقيق للشهداء غير مؤكّد حتى اليوم، حيث تشير بعض التقديرات إلى سقوط ما بين 200 إلى 300 قتيل، بينما تقتصر تقديرات أخرى على عشرات الضحايا، كما أُصيب مئات آخرون، مما جعل هذه الليلة واحدة من أكثر الأحداث دموية في تاريخ الثورة السورية. وتُعرف حمص بـ”عاصمة الثورة السورية” بسبب دورها المحوري في الحراك الشعبي ضد النظام السابق. وكان اعتصام ساحة الساعة رمزًا للوحدة الشعبية، حيث شارك فيه رجال ونساء من مختلف الأعمار والخلفيات. كما لعبت نساء حمص، المعروفات بـ”حرائر حمص”، دورًا بارزًا في الاعتصام، حيث رفعن لافتات تُطالب بالحرية وهتفن لتكريم الشهداء وإطلاق سراح المعتقلين.
ووفقًا لناشطين محليين، شكّل الاعتصام نقطة تحوّل ألهمت مدنًا سورية أخرى لتنظيم فعاليات مماثلة، مما عزّز زخم الثورة التي أدّت في النهاية إلى إسقاط نظام الأسد السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، منهيةً عقودًا من القمع والاستبداد. وقال محمد الشيخ، أحد سكان مدينة حمص، في حديث لمنصة “”: “ساحة الساعة كانت المكان الذي اتّحدنا فيه كشعب، ورغم الدماء التي سُفكت فإن إرادتنا لم تنكسر، وها نحن اليوم نعيش الحرية التي حاربنا من أجلها”. وأضاف: “مشاركة الشباب والنساء ومن كل الفئات في الاعتصام كانت رسالة قوية، لقد كنا في قلب الحدث نهتف ونطالب بالحقوق إلى جانب إخوتنا”.
وتشهد حمص اليوم فعاليات متنوعة لإحياء هذه الذكرى، تشمل تجمعات شعبية في ساحة الساعة لتكريم ضحايا المجزرة واستذكار التضحيات، إضافة إلى تنظيم جلسات حوارية تناقش دور حمص في الثورة وأهمية الحفاظ على مكتسباتها. وتأتي هذه الفعاليات في ظل أجواء من التفاؤل بعد انتصار الثورة، حيث يعيش السوريون حاليًّا مرحلة جديدة من الحرية بعد أكثر من نصف قرن من الحكم الاستبدادي.
تُعد مجزرة ساحة الساعة جزءًا من سلسلة الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد السابق ضد المتظاهرين السلميين في بدايات الثورة. وقد ساهمت هذه الأحداث في تصعيد الحراك الشعبي وتحويله إلى ثورة شاملة، قادت في النهاية إلى إسقاط النظام السابق، إذ يرى أهالي حمص خاصة وسوريا عامة أن وحشية النظام في قمع الاعتصام عكست خوفه من تنامي الاحتجاجات، مما جعل حمص رمزًا للصمود والمقاومة.
وتُعد الذكرى الرابعة عشرة لاعتصام ومجزرة ساحة الساعة مناسبة لتجديد العهد على بناء سوريا حرّة وديمقراطية، وتأكيدًا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن المجزرة وغيرها من الجرائم، مع العمل على إعادة إعمار البلاد وتحقيق الاستقرار.