الثلاثاء, 1 يوليو 2025 10:51 AM

رويترز تكشف: مجازر مروعة استهدفت العلويين في سوريا.. وخيوط الجريمة تقود إلى دمشق

رويترز تكشف: مجازر مروعة استهدفت العلويين في سوريا.. وخيوط الجريمة تقود إلى دمشق

في جريمة مروعة هزت سوريا، قام جناة بقتل الشاب السوري سليمان رشيد سعد، البالغ من العمر 25 عامًا، وشقوا صدره وانتزعوا قلبه ووضعوه فوق جثته. ثم اتصلوا بوالده من هاتفه المحمول وتحدوه ليأتي ويأخذ الجثة الملقاة بالقرب من صالون حلاقة في قرية الرصافة.

أصبح اسم سليمان الرقم 56 على قائمة مكتوبة بخط اليد تضم 60 قتيلاً، من بينهم عدد من أبناء عمومته وجيرانه وستة أطفال على الأقل من قريتهم التي تقع على الساحل السوري. يقول والده رشيد سعد: "شقوا صدره واقتلعوا قلبه ووضعوه على صدره".

لم تكن أعمال قتل العلويين انتهت بعد. كان مقتل سليمان ضمن موجة من أعمال القتل نفذها مقاتلون سنة في مناطق يقطنها العلويون على ساحل البحر المتوسط ​​في سوريا من السابع إلى التاسع من مارس آذار. ووقعت أعمال العنف بعد تمرد استمر يوما واحدا نظمه عسكريون سابقون موالون للرئيس المخلوع بشار الأسد، وقالت الإدارة الجديدة إنه أسفر عن مقتل المئات من قوات الأمن.

وكشف تحقيق أجرته رويترز تفاصيل المجازر، وحدد تسلسل قيادة المسؤولين عن أعمال القتل من المهاجمين إلى رجال يعملون جنبا إلى جنب مع حكام سوريا الجدد في دمشق. وخلصت رويترز إلى أن ما يقرب من 1500 علوي سوري قُتلوا، وأن العشرات في عداد المفقودين. ويبين التحقيق أن 40 موقعا مُختلفا شهدت عمليات قتل انتقامية وهجمات وأعمال نهب استهدفت الأقلية الدينية التي طالما تم ربطها بنظام الأسد.

وألقت موجة القتل التي استمرت لأيام الضوء عن الاستقطاب المتجذر في سوريا، والذي لم تستطع الحكومة الجديدة التغلب عليه بعد، بين مؤيدي النظام القديم سواء ضمنيا أو فعليا وأولئك الذين كانوا يأملون في نجاح الثورة على الأسد في نهاية المطاف. ويكن كثيرون في سوريا مشاعر استياء تجاه العلويين، الذين تمتعوا بنفوذ كبير داخل الجيش والحكومة خلال حكم بشار الأسد على مدار 20 عاما.

وخلصت رويترز إلى تلك النتائج في الوقت الذي ترفع فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدريجيا عقوبات مفروضة على سوريا تعود إلى عهد الأسد. ويسبب هذا التقارب إحراجا لواشنطن، فالحكومة السورية الجديدة يقودها فصيل إسلامي كان يعرف من قبل باسم (هيئة تحرير الشام) التي تم حلها بعد الإطاحة بالأسد، وكانت في الماضي فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا يحمل اسم جبهة النصرة. وتخضع الهيئة، التي كان يتزعمها سابقا الرئيس السوري أحمد الشرع، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ عام 2014. وصار الشرع، وهو مسلم سني مثل غالبية السوريين، رئيسا في يناير كانون الثاني بعد أن قاد هجوما خاطفا انتهى بإسقاط نظام الأسد والسيطرة على دمشق.

ووجدت رويترز أن ما لا يقل عن عشرة فصائل تضم أجانب وتخضع حاليا لسيطرة الحكومة الجديدة ضالعة في أعمال القتل التي وقعت في مارس آذار. ويخضع ما يقرب من نصف هذه الفصائل لعقوبات دولية منذ سنوات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان من بينها القتل والخطف والاعتداءات الجنسية.

ولم ترد الحكومة السورية، بما في ذلك وزارة الدفاع ومكتب الرئيس وجهاز الأمن العام، على ملخص مفصل لنتائج هذا التقرير أو على أسئلة ذات صلة من رويترز حول ضلوع قوات حكومية في المذابح. وفي مقابلة مع رويترز بعد أيام قليلة من عمليات القتل، ندد الشرع بالعنف باعتباره تهديدا لجهوده لتوحيد البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه.

ومن بين الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام سابقا التي كشف تحقيق رويترز تورطها جهاز الأمن العام، وهو جهاز فرض القانون الرئيسي، والفرقة 400 وهي فرقة من مقاتلي النخبة، ولواء عثمان. كما تورطت فصائل مسلحة سنية انضمت حديثا لصفوف القوات الحكومية، من بينها فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة اللتان فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهما لضلوعهما في عمليات القتل.

وأمر الشرع بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث الساحل ولجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي. وذكر ياسر الفرحان، المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق، أن الرئيس سيتسلم ما خلصت إليه من نتائج في غضون أسبوعين، إذ تعكف اللجنة حاليا على تحليل المعلومات، ثم تكتب تقريرها النهائي بناء على شهادات ومعلومات جُمعت من أكثر من ألف شخص، بالإضافة إلى إحاطات من مسؤولين واستجوابات لمعتقلين.

وخلصت رويترز إلى أن عمليات القتل مستمرة حتى يومنا هذا. ووفقا لستة مقاتلين وقادة وثلاثة مسؤولين حكوميين فقد ساورت المخاوف الحكومة السورية الجديدة من فقدان السيطرة على منطقة الساحل خلال انتفاضة أنصار الأسد. وأصدرت أوامر قاطعة في السادس من مارس آذار بسحق محاولة انقلاب من “فلول” النظام السابق.

وصرح أحمد الشامي محافظ طرطوس، وهو مسؤول في الحكومة الجديدة، لرويترز بأن العلويين ليسوا مُستهدفين. وأقرّ بوقوع “انتهاكات” بحق المدنيين العلويين، وقدر عدد القتلى في المحافظة بنحو 350 شخصا، وهو ما يتوافق مع ما توصلت إليه رويترز أيضا.

وردا على طلب للتعقيب على النتائج التي خلصت إليها رويترز أشار أنور العوني، وهو متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إلى أن التكتل ندد “بالجرائم المروعة المرتكبة بحق المدنيين من قبل جميع الأطراف”، لكنه لم يوضح سبب عدم فرض عقوبات أيضا على وحدات هيئة تحرير الشام.

وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من السوريين قُتلوا منذ عام 2011، عندما تحول قمع الأسد للاحتجاجات إلى حرب أهلية. ولاحق النظام أي معارضين مُشتبه بهم. ولكن السُنة، الذين شكلوا أبرز الجماعات المسلحة المعارضة للأسد، كانوا مستهدفين على نحو خاص.

وتحدثت رويترز مع أكثر من 200 من عائلات الضحايا خلال زيارات لمواقع المذابح وعبر الهاتف، ومع 40 من المسؤولين الأمنيين والمقاتلين والقياديين، بالإضافة إلى محققين ووسطاء عيّنتهم الحكومة. كما اطلعت رويترز على رسائل في صفحة مراسلة على تطبيق تيليجرام أنشأها مسؤول في وزارة الدفاع لتنسيق تحرك الحكومة. وفحص صحفيو وكالة رويترز عشرات من مقاطع الفيديو وحصلوا على لقطات من كاميرات المراقبة، وجمعوا قوائم مكتوبة بخط اليد بأسماء القتلى.

ووصف عدد من الناجين كيف تم تشويه جثث ذويهم. واحتشد مقاتلون، كثير منهم ملثمون، في معاقل الحكومة الجديدة في إدلب وحمص وحلب ودمشق. وفي مقاطع فيديو تحققت منها رويترز، ظهرت قوافل مدرعات تنطلق إلى غرب سوريا، وعلت صيحات المسلحين ليلا مرددين “سنية، سنية” و”بدنا دم العلوية”. وأظهرت الكثير من مقاطع الفيديو مقاتلين يعمدون إلى إذلال علويين، إذ أجبروهم على الزحف والنباح مثل الكلاب. بينما أظهرت مقاطع أخرى، بعضها صوّره المقاتلون أنفسهم، أكواما من الجثث الغارقة في الدماء. وكان من بين القتلى عائلات بأكملها، بما في ذلك نساء وأطفال وعجائز ومعاقون، في عشرات القرى والأحياء ذات الأغلبية العلوية. وفي أحد الأحياء كانت هناك 46 امرأة بين 253 قتيلا، وفي قرية أخرى كان هناك 10 أطفال ضمن 30 قتيلا. وفي حالة واحدة على الأقل، أُخليت بلدة علوية بأكملها خلال الليل تقريبا وحل السُنة محل مئات السكان فيها.

وكان السؤال الأول الذي طرحه المقاتلون لدى وصولهم على السكان ذا دلالة كبيرة، وفقا لأكثر من 200 شاهد وناج، وهو “أنت سني أم علوي؟”. (REUTERS)

مشاركة المقال: