الأحد, 19 أكتوبر 2025 11:31 PM

زيت "الخريج": إرث الساحل السوري بنكهة الماضي وتقنيات تقليدية

زيت "الخريج": إرث الساحل السوري بنكهة الماضي وتقنيات تقليدية

عنب بلدي – شعبان شاميه

يتميز السوريون بأساليب فريدة في تحضير المؤونة، التي تبدأ في أيلول وتستمر خلال تشرين الأول وتشرين الثاني، وتختلف باختلاف المناطق وعاداتها. إلا أن الساحل السوري يشتهر بتحضير زيت "الخريج"، المعروف بنكهته القوية ولونه الداكن المائل إلى السواد، والذي تختلف طريقة تحضيره بشكل طفيف بين المناطق.

تشير المصادر إلى أن إنتاج زيت "الخريج" يعود إلى ما قبل مملكة أوغاريت على ساحل البحر المتوسط، وتدعم هذه الرواية اكتشاف حبوب زيتون مسلوقة تعود إلى تلك الفترة. كما عثر علماء الآثار على "الباطوس"، وهي كلمة سريانية تعني "الحجر الدائري"، المستخدم في تصنيع "الخريج"، مع أن التاريخ الدقيق لبدء إنتاج هذا الزيت غير معروف.

مراحل إنتاج "الخريج"

بعد قطف الزيتون، يتم غسله ووضعه في إناء كبير يسمى "الدست" لسلقه على الحطب حتى الغليان، ويترك لمدة 20 دقيقة تقريبًا، وهي الخطوة الأولى للحصول على زيت "الخريج"، كما أوضح "أبو حسن" (50 عامًا) من قرية بلوزة بريف مدينة بانياس بمحافظة طرطوس، لعنب بلدي.

بعد ذلك، يتم تصفية الزيتون من الماء وإخراجه إلى سطح المنزل في "قفف" (سلال مصنوعة من أعواد الريحان)، ويوضع فوق بعضه على شكل تلال ويغطى لمدة أربعة أو خمسة أيام لتخميره، بحسب "أبو حسن"، الذي أشار إلى أن بعض الأهالي يغطونه بأوراق الخرنوب أو البطم لإضفاء نكهة مميزة.

بعد التخمير، يُفرش الزيتون على السطوح ليجف، ويتحول قوامه إلى شكل حبّات الزبيب مع رائحة فوّاحة، ثم يؤخذ إلى المعصرة، حيث توجد معاصر "هيدروليكية" ويدوية بالإضافة إلى المعاصر الحديثة.

أشار "أبو حسن" إلى أن بعض الأهالي لا يزالون يستخدمون حجر "الباطوس" على طريقة الأجداد، حيث يُطحن الزيتون مع بذوره. "الباطوس" هو حجر كبير محفور على شكل جرن، وفي داخله حجر دائري يسمى "الخريزة" مثقوب من المنتصف، توضع فيه ذراع خشبية لتحريكه، وعادة ما تربط نهاية الذراع بحيوان يقوم بالدوران، مما يؤدي إلى ضغط الزيتون لاستخلاص الزيت منه.

وعن سبب تسمية "الخريج"، أوضح "أبو حسن" أنها تعود إلى طريقة "تخريجه" قديمًا بالماء الساخن بعد كسر الزيتون ووضعه في برميل من الماء، حيث ينفصل الزيت عن الماء ويطفو على السطح.

تحدث "أبو حسن" عن الأجواء العائلية المصاحبة لتحضير زيت "الخريج"، من خلال الجلوس أمام "الدست" وشرب المتة أو الشاي على الحطب، وترديد الأغاني التراثية واسترجاع الذكريات، مشيرًا إلى تجربة أول وجبة زيت "خريج" بطبخ "البرغل بحمص". ورغم أن البعض لا يفضلون الزيت "على الحامي" (في الطبخ) لأنه ثقيل، إلا أنه يضفي طعمًا مميزًا على البرغل وخبز التنور.

أوضح أن أكثر أنواع الزيتون المستخدمة في صناعة "الخريج" في منطقة بانياس هو النوع الخضراوي السوري، لارتفاع نسبة الزيت فيه، بينما تكون نسبة الزيت أقل في الزيتون المروي.

ذكر أن سعر زيت "الخريج" أعلى من الزيت العادي، لأنه يستهلك وقتًا في السلق والتخمير، بحيث يزيد النصف وأحيانًا الضعف، وفقًا للعرض والطلب، مبينًا أن سعر "البيدون" (عبوة تستوعب 18 لترًا) الواحد يصل حاليًا إلى مليون ونصف مليون ليرة سورية.

شرح "أبو حسن" أن زيت "الخريج" كان متعدد الاستخدامات في الماضي، بينما يستخدم حاليًا لأكلات محددة كالشنكليش، واللبنة، والبيض المسلوق، والبرغل بحمص، وغيرها، كما يخلطه البعض بالزيت النباتي لتخفيفه، مشيرًا إلى أنه غير مُستحب لدى معظم أهالي المدن لعدم اعتيادهم على طعمه.

كلام عن عدم صلاحيته

أثار تصريح سابق لمديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، عبير جوهر، لوسائل إعلام محلية، حول عدم صلاحية زيت "الخريج" للاستهلاك البشري جدلًا واسعًا، إذ اعتبر البعض أنه "مبالغ فيه"، خاصة أن "المنتجين لهذا النوع من الزيت يتغذون عليه منذ عشرات السنوات، والمعمّرون منهم لم يصبهم ضرر بالرغم من تناولهم له بكميات كبيرة".

قالت جوهر، إن "أفضل نوع هو الذي ينتج بالعصر الطبيعي للزيتون في المعاصر ويحافظ على جودته وطعمه، أما بالنسبة للزيت الذي ينتج عن الغلي ويطلق عليه شعبيًا (الخريج) فهو موروث شعبي، لكنه غير صالح للاستهلاك البشري، لأنه يحوي على نسب عالية من الحموضة ورقم (البيروكسيد) فيه فوق الـ40، ويتعرض لحرارة عالية ويخمر عدة مرات وأضراره مثبتة علميًا".

أسهم انتشار معاصر الزيتون الحديثة، التي تنتج زيت الزيتون بطريقة أكثر ديناميكية وسرعة، بتقليص صناعة زيت "الخريج" إلى حد كبير واقتصارها على "ذوّاقيه" فقط.

ويُعتبر الزيت غير صالح للاستهلاك في حال زادت حموضته على 5%، وتؤكد مصادر علمية ورسمية، أن "حموضة الخريج تفوق ذلك بكثير"، في وقت تحدد منظمة الصحة العالمية 3.3% كأعلى درجة حموضة للزيت.

يعد الساحل السوري المنتج الأول لزيت "الخريج"، وتحديدًا منطقة جبلة، وقرى بيت ياشوط، حراما، الدالية، دوير بعبدة، القطيلبية، وبسيسين، إضافة إلى معظم قرى منطقة بانياس، أبرزها بلوزة، ولا تخلو موائد البيوت الساحلية من حضوره، لا سيما مع المجدرة، الشنكليش، وصحن اللبنة.

مشاركة المقال: