مضت سبعة أشهر منذ إعلان إسقاط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، شهدت سوريا خلالها تحولات كبيرة، من رفع العقوبات إلى تغيير في إستراتيجية الولايات المتحدة، بفضل الاحتضان الإقليمي والشعبي الواسع، وحسن تقديم الحكم الجديد في دمشق نفسه للمجتمع الدولي.
لكن في الداخل، تسير عملية التعافي وإعادة بناء مؤسسات الدولة ومنظومة الحكم بوتيرة أبطأ، تتطلب إعادة بناء الكوادر والكفاءات، وتطبيق سياسات عادلة، وتحديث النظام البيروقراطي، وبناء منظومة قانونية مناسبة، وإصلاح النظام القضائي.
جميع هذه الخطوات مرهونة بالمنظومة القانونية، ومع تراكم المهام التشريعية، يبرز السؤال: كيف يمكن ملء الفراغ القانوني الناجم عن حل مجلس الشعب السابق؟
بعد إعلان "انتصار الثورة السورية" في 29 يناير/ كانون الثاني 2025، تم حل مجلس الشعب وتفويض "القائد أحمد الشرع" بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، صدر الإعلان الدستوري في 13 مارس/ آذار 2025، ليضع الإطار الدستوري للمرحلة الانتقالية، مع التأكيد على استمرار العمل بالقوانين النافذة ما لم يتم تعديلها.
وبحسب الإعلان الدستوري، فإن رئيس الجمهورية لا يمتلك صلاحية إصدار مراسيم تشريعية، ما يستدعي مراجعة جميع القرارات التنفيذية للتأكد من ملاءمتها للقوانين النافذة، ويؤكد الخبراء على ضرورة احترام القانون النافذ لطمأنة الجمهور.
لتشكيل مجلس الشعب، السلطة الثالثة في الدولة، سيقوم رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عليا لاختيار الأعضاء، تشرف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة تنتخب ثلثي الأعضاء، بينما يعين الرئيس الثلث المتبقي لضمان التمثيل العادل والكفاءة.
يطرح تشكيل اللجنة العليا للانتخابات سؤال التكوين، حيث لم يعد قانون الانتخابات رقم 5 للعام 2014 ساريًا، يجب أن يراعي تكوين اللجنة مشاركة المرأة، والميول السياسية، والتكوين الاجتماعي والديني، والتوزع الجغرافي، والكفاءة.
في 13 يونيو/ حزيران 2025، صدر المرسوم الرئاسي رقم 66 بتشكيل "اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب"، مؤلفة من 11 عضوًا، برئاسة محمد طه الأحمد، للإشراف على تشكيل هيئات فرعية في المحافظات.
تواجه اللجنة معضلة إجراء انتخابات في ظروف استثنائية، مع وجود ملايين النازحين والمهجرين، ما يتطلب توفير إحصاء سكاني موثوق وتحديد الدوائر الانتخابية والنظام الانتخابي، مع مراقبة من المنظمات المحلية والدولية.
في ظل استحالة إجراء إحصاء سكاني دقيق، يُقترح اعتماد إحصاء عام 2010، وتحديد عدد المقاعد على أساس التوزع الديموغرافي للسكان، مع الأخذ بالاعتبار أن المرسوم 66/2025 حدد عدد أعضاء المجلس بـ150 عضوًا.
ستقوم اللجان الفرعية بتشكيل الهيئات الناخبة في المحافظات، مع مراعاة التكوين الاجتماعي والكفاءات والتمثيل العادل لفئات المجتمع، ووضع شروط تضمن وصول ممثلين حقيقيين من ذوي الكفاءات.
قضية التمثيل في هذا المجلس حاسمة، لأنه سيرسم مستقبل سوريا، والمرسوم 66/2025 حدد طبيعة المرشحين بأنهم من "الأعيان والمثقفين"، أي نخبة المجتمع القادرة على تحقيق الغرض من تشكيل المجلس في هذه المرحلة الخطيرة.
تنتظر المجلس التشريعي مهمات كثيرة، أبرزها كتابة الدستور الدائم، الذي سيحدد شكل النظام السياسي لسوريا لعقود طويلة، وهناك ثلاث طرق لتشكيل الهيئة التأسيسية: الانتخاب المباشر، التعيين، أو الانتخاب من المجلس التشريعي.
كتابة دستور جديد ستقتضي قانونًا لنظام انتخابي جديد، وقانونًا للأحزاب، وقانونًا للمحكمة الدستورية، وقانونًا للعدالة الانتقالية.
على الرغم من أن اللحظة مواتية للشروع في تشكيل المجلس، إلا أن عدم استتباب الأمن في بعض المناطق يمثل عقبات، وقد تضطر اللجنة للتنازل عن بعض المعايير لتحقيق تمثيل مقبول، وقد يشكل الثلث المعين أحد الضمانات لتجاوز هذه العقبات.
التحدي الآخر هو وجود كفاءات ضرورية لصياغة القوانين والتفاوض بشأن المواد الدستورية، من الخبراء والسياسيين والحقوقيين، يجب أن تلحظ اللجنة العليا للانتخابات وجود مثل هذه الكفاءات وتوفير فرص لها للانضمام للبرلمان.
مجمل التحديات يمكن التغلب عليها، لكنها تتطلب بعض الوقت والتأني، ومع الكثير من الجهد والانتباه إلى العوائق سيكون بالإمكان تحقيق تمثيل مقبول ومناسب للمهامّ التي أنيطت بالمجلس التشريعيّ الانتقالي.