الجمعة, 24 أكتوبر 2025 07:00 AM

سوريا: معضلة المقاتلين الأجانب بين التسوية السياسية والحل العسكري

سوريا: معضلة المقاتلين الأجانب بين التسوية السياسية والحل العسكري

تكشف الأحداث الأخيرة في سوريا عن مشكلة معقدة تتجاوز الظاهر. فقد اندلعت مواجهات بين السلطات السورية ومجموعة مسلحة أجنبية في إدلب، تعرف باسم "فرقة الغرباء"، وتتألف من متطرفين فرنسيين وقائد من أصول سنغالية. في الظاهر، كانت الاشتباكات محاولة للقبض على أحد القادة بتهمة خطف فتاة، لكن التقارير تشير إلى أن الأمر يتعدى ذلك، وأن الحكومة قد تسعى لتسليم المطلوبين الفرنسيين إلى بلادهم.

يكمن وراء هذه الأحداث عبء المقاتلين الأجانب على السلطات السورية. لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعدادهم، لكن مركز "جسور" للدراسات يقدر عددهم بحوالي 5 آلاف من جنسيات مختلفة. ولا يشمل هذا الرقم الأجانب الذين قاتلوا مع نظام بشار الأسد وتنظيم "داعش"، بل يقتصر على العناصر التي انضمت إلى فصائل المعارضة في إدلب والمقربة من "هيئة تحرير الشام".

تمثل معضلة المقاتلين الأجانب قنبلة موقوتة تسعى السلطات السورية لتفكيكها. فهم يشكلون مجموعات خارجة عن القانون تفرض سيطرتها في مناطق انتشارها، وتتحرك من منطلق إيديولوجي لا سياسي، مما يمثل عبئًا أمنيًا وتحديًا أمام فرض السلطة. كما أنهم لا يتمتعون بقبول كافة شرائح الشعب السوري.

حتى الآن، لا توجد مؤشرات على أن السلطات السورية قد بدأت حربًا ضد المقاتلين الأجانب، بل تسعى لإخضاعهم للقانون تمهيدًا لسحب سلاحهم وتسوية أوضاعهم. وتوضح الكاتبة السورية سميرة المسالمة لـ"النهار" أن الحكومة لا تخوض حملة ضد المقاتلين الأجانب، بل ضد مرتكبي العمليات غير القانونية.

قبل اللجوء إلى الحلول العسكرية، يجب التطرق إلى الحلول السياسية. فالمقاتلون الأجانب مطلوبون في دولهم، وقد يكون الحل الأكثر منطقية هو تجنيسهم في سوريا، مع تسليم السلاح وحل المجموعات العسكرية. وبموجب قانون التجنيس، يندمج الأجانب في المجتمع السوري وفق آلية محددة، ويلتزمون بالقانون السوري كالمواطنين المحليين، بحسب المسالمة.

إلا أن هناك مخاوف من عدم تجاوب المقاتلين الأجانب مع سياسة السلطات السورية، خاصة وأن بعضهم يحمل أفكارًا إيديولوجية متطرفة ويرفض سياسة الانفتاح التي تبديها الحكومة. وقد سُمعت عبارات "كفّار" من بعض المقاتلين الفرنسيين لعناصر الأجهزة الأمنية خلال اشتباكات إدلب الأخيرة.

قد يدفع تمرّد المقاتلين الأجانب واستمرار خروجهم عن القانون وضغط المجتمع السوري والدولي الحكومة لاتخاذ إجراءات عسكرية ضدهم. وتشير المسالمة إلى احتمال وجود مجموعات تستفيد من حالة الخروج عن القانون ومتمسكة بسلاحها. وحينها، قد يتم اتخاذ قرار بمواجهة هذه المجموعات، خاصة وأن أعدادها متواضعة مقارنة بعناصر الجيش السوري.

يرفض المجتمع الدولي عودة المقاتلين الأجانب إلى دولهم، كونهم يشكلون خطرًا أمنيًا، ويطالبون باسترداد بعضهم لمحاكمتهم. وبالتالي، فإن السلطات السورية متروكة أمام خيار حسم هذا الملف، إما بالأساليب السياسية والدبلوماسية، وإما بالحلول العسكرية.

مشاركة المقال: