الجمعة, 5 سبتمبر 2025 11:22 PM

عودة الصحفيين المفصولين تثير انقسامًا: هل هو اعتراف أم مجرد إجراء؟

عودة الصحفيين المفصولين تثير انقسامًا: هل هو اعتراف أم مجرد إجراء؟

أثار قرار وزارة الإعلام السورية الأخير، بشأن إعادة الصحفيين الذين تم فصلهم بسبب مشاركتهم في الثورة السورية، جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية. بينما وصفه إعلاميون منشقون بأنه "مجحف ومسيء"، أكدت الوزارة أن المدة المتاحة للتسجيل كانت كافية وأن المجال لا يزال مفتوحًا لتسوية أوضاع الراغبين.

التعميم الرسمي

أصدرت وزارة الإعلام في 30 آب/أغسطس الماضي تنويهًا دعت فيه الصحفيين الذين فُصلوا من عملهم في الوزارة أو المؤسسات التابعة لها بسبب مواقفهم المرتبطة بالثورة السورية، إلى مراجعة جهاتهم السابقة مع إحضار الثبوتيات والوثائق المطلوبة. وحدد التعميم فترة قصيرة للتسجيل، من 3 إلى 11 أيلول/سبتمبر 2025 خلال أوقات الدوام الرسمي.

الكاتب والصحفي علي سفر، وفي حديث لمنصة "سوريا 24"، اعتبر أن القرار "مسيء جدًا للإعلاميين المنشقين، ومسيء للوزارة ولصورة الدولة". وأوضح أن "الوزارة لم تتواصل مع الإعلاميين المنشقين وكأنهم غير موجودين في المشهد العام للثورة، على الرغم من أن وزير الإعلام نفسه عمل مع بعضهم في تلفزيون سوريا والتلفزيون العربي". وأضاف أن "البعض يظن أن التعبير عن الاستياء من هذا التصرف هو طمع في المناصب أو الميزات"، مؤكدًا عدم طموحه لشغل أي منصب حكومي، ودعا الوزارة إلى الاعتراف بأن "هناك مجموعة من الإعلاميين انشقوا من أجل حرية السوريين ورفضوا العمل مع الأسديين لتسويق رواية النظام"، وأنهم "يستحقون التكريم وإعادتهم إلى وظائفهم وتعويضهم ماديًا عن السنوات التي اضطروا لترك عملهم فيها".

وشدد سفر على أن القرار "يعود لأصحاب القضية أن يعودوا أو يستقيلوا"، مؤكدًا أن الأمر يتعلق بحقوق وليس فيه منّة لأحد، ولا يجب "تسويغ هذا التصرف القبيح". وعزا استياءه إلى المدة الزمنية المحددة، قائلاً: "تخيل أن تكون في بلد بعيد ويقال لك: معك تسعة أيام كي تراجعنا وتجلب معك الثبوتيات؟ ألا تكفي قرارات الفصل التي أصدرها نظام الأسد بحقنا كي تكون دليلًا على ما ذهبنا إليه من أجل الثورة؟".

القرار جائر ولا يراعي الواقع

من جانبه، وصف الصحفي فؤاد عبد العزيز القرار بأنه "مجحف بحق الصحفيين"، موضحًا لمنصة "سوريا 24" أن "إعطاء مهلة أسبوع واحد فقط للعودة إلى العمل لا ينسجم مع واقع الصحفيين المفصولين ولا مع ظروفهم". وأضاف: "على الصعيد الشخصي، كنت أفكر بالعودة إلى سوريا، وكل ما كنت أطلبه هو الأمان المستقبلي. لا أريد سوى الموت في بلدي، لكن بهذه الصيغة حكموا علينا بالنفي"، مؤكدًا أن "القرار جائر ولا يخلو من العدوانية، وكأنه رسالة واضحة لمن فُصلوا من عملهم في وسائل إعلام النظام بسبب تأييدهم للثورة: أرجوكم لا تعودوا".

ويرى عبد العزيز أن القرار "مجرد رفع عتب لا غير"، موضحًا: "إنهم يدركون أنه خلال فترة أسبوع لن يستطيع حتى من يقيم في الدويلعة بدمشق أن يجهز الأوراق المطلوبة من أجل العودة". وأشار إلى أنه "لو أجرت وزارة الإعلام استطلاعًا صغيرًا وتواصلت مع الموظفين المفصولين قبل إصدار مثل هذا القرار، لوجدت أن 90 بالمئة منهم خارج البلد، وأغلبهم في أوروبا، ويحتاج من يرغب بالعودة إلى فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر لإنهاء وضعه القانوني في بلد اللجوء". ولفت إلى أن "عدد الصحفيين الذين تم فصلهم من وسائل الإعلام والمثبتين على الملاك لا يتجاوز الثلاثين صحفيًا، وفي أحسن الأحوال خمسين صحفيًا"، متسائلًا: "فهل تعجز الدولة عن استيعاب هذا العدد المحدود في أعمالهم السابقة؟".

محمد بركات: المهلة كافية والوزارة مستعدة للدعم

في المقابل، أوضح محمد بركات، مدير التنمية الإدارية في وزارة الإعلام، أن المدة الممنوحة للتقديم "كانت كافية"، مبينًا أنه "تم الإعلان عنها عدة مرات عبر الصفحات الداخلية للوزارة، ومن خلال الزملاء والمعارف، إضافة إلى نشر روابط خاصة بالتسجيل، بما فيها الرابط الرسمي لوزارة التنمية الإدارية". وأكد بركات: "في حال وجود أي شكاوى من بعض الزملاء الصحفيين الذين لم يتمكنوا من التسجيل، فإننا على استعداد لتقديم الدعم اللازم لهم وفتح المجال أمامهم لاستكمال إجراءاتهم".

وبحسب المعلومات الأولية التي كشف عنها بركات، فإن "عدد المفصولين من وزارة الإعلام والجهات التابعة لها يبلغ 168 مفصولًا حتى تاريخ اليوم، وقد تم التواصل مع الغالبية منهم، باستثناء من كان هناك خطأ في بيانات التواصل الخاصة بهم". وأضاف: "لقد رفعنا بالفعل دفعة من الأسماء إلى وزارة التنمية الإدارية، فيما ننتظر استكمال تواصل البقية، مع فتح المجال أمامهم لمراجعة الأقسام المختصة في الوزارة".

وبينما يرى إعلاميون منشقون أن التعميم الصادر في 30 آب/أغسطس الماضي لا يرقى إلى مستوى الاعتراف بتضحياتهم، وتحديد مهلة أسبوع واحد فقط أشبه بـ"تصرف قسري" لا يراعي ظروفهم، تؤكد وزارة الإعلام أن المهلة كانت كافية وأن الأبواب ما زالت مفتوحة أمام الراغبين. وبين الموقفين، يبقى الجدل قائمًا حول ما إذا كانت الخطوة تمثل بداية لمصالحة مهنية حقيقية، أم أنها مجرد إجراء إداري لا يحقق العدالة المطلوبة.

مشاركة المقال: