السبت, 6 سبتمبر 2025 12:34 AM

عيد المولد النبوي: من الاحتفال الطقسي إلى التأمل الفلسفي في قيم العدالة والرحمة

عيد المولد النبوي: من الاحتفال الطقسي إلى التأمل الفلسفي في قيم العدالة والرحمة

يرى المهندس نضال رشيد بكور أن عيد المولد النبوي الشريف يمثل حدثاً يتجاوز مجرد الاحتفال الشكلي، ليصبح مناسبة فلسفية عميقة تدعو إلى التفكير في علاقة الإنسان بالزمن، والقدوة، والمعنى. إنه ليس فقط ذكرى لميلاد نبي عظيم غيّر مجرى التاريخ، بل هو لحظة وعي تتجدد فيها القيم العظيمة التي جاء بها النبي محمد ﷺ، مثل الرحمة، والعدل، والحرية، والكرامة الإنسانية.

من الناحية الفلسفية، يعتبر الاحتفال بالمولد النبوي فعلاً رمزياً يعيد ربط الإنسان بمصدر المعنى في حياته. فالميلاد هنا ليس حدثاً ماضياً ثابتاً، بل رمز لبداية متجددة في الوعي الإنساني، بداية تؤكد أن التاريخ ليس خطاً ثابتاً بل هو مجال للتفاعل بين المثال والواقع. إن استحضار شخصية النبي في هذا السياق يمثل استحضاراً لفكرة المثال الإنساني الكامل، حيث يتجسد الكمال الأخلاقي في شخص بشري يمكن الاقتداء به.

على المستوى الجمعي، يشكل المولد النبوي لحظة اندماج بين الفرد والمجتمع. ففيه تتجسد الهوية الحضارية للأمة الإسلامية في أبهى صورها، حيث يجتمع الناس حول رمز يوحدهم في قيمهم وذاكرتهم ومرجعيتهم الأخلاقية. وهنا يظهر البعد الفلسفي لمفهوم "الهوية"، التي لا تُبنى فقط على التاريخ السياسي أو الجغرافي، بل على المعاني المشتركة التي يتقاسمها الناس. فالمولد يعيد تشكيل الوعي الجماعي حول محور القيم التي صاغها النبي، مما يضفي على الانتماء بعداً يتجاوز حدود المكان والزمان.

غير أن الفلسفة تحتم علينا ممارسة النقد أيضاً. فالاحتفال بالمولد، إن اقتصر على الطقوس السطحية دون إدراك جوهر الرسالة، يصبح شكلاً بلا روح، وذكرى بلا أثر. فالمطلوب ليس مجرد تخليد لحظة تاريخية، بل تفعيل للقيم التي حملها النبي في الواقع المعاصر. هنا يطرح سؤال جوهري: هل يجسد الاحتفال اليوم روح الإسلام في العدالة، الرحمة، والنهضة الفكرية؟ أم أنه انحرف أحياناً إلى مظاهر تفرغ المناسبة من محتواها العميق؟ هذه التساؤلات تجعل من المولد فرصة لمراجعة الذات، وتقييم مدى التزام الأفراد والجماعات بروح الرسالة المحمدية.

على الصعيد الإنساني الأوسع، يحمل المولد النبوي رسالة عالمية. فالنبي محمد ﷺ لم يكن رسولاً لأمة بعينها، بل كان حاملاً لمشروع تحرير الإنسان من عبودية المادة والهوى والظلم. من هذا المنظور، يمكن قراءة المولد كعيد إنساني عام، يذكر البشرية بأن رسالتها الحقيقية هي السعي نحو العدالة والرحمة والسلام. وهنا يلتقي الفكر الديني بالفلسفة الإنسانية التي تبحث عن المعنى الأسمى للوجود.

في النهاية، إن المولد النبوي ليس مجرد حدث تاريخي يحتفى به في تقاويمنا، بل هو تجربة فلسفية متجددة تدعونا إلى أن نعيد اكتشاف ذواتنا في ضوء المثال المحمدي. إنه مناسبة للتأمل في علاقتنا بالله، وبالآخرة، وبأنفسنا، وفرصة لإحياء قيم إنسانية كبرى قادرة على مواجهة أزمات الحاضر وتحديات المستقبل. فإذا استطعنا أن نرتقي بالاحتفال من مجرد ممارسة طقسية إلى وعي فلسفي حي، فإننا سنجعل من هذه الذكرى لحظة حقيقية لبداية جديدة في مسيرة الإنسان نحو الكمال الأخلاقي والحضاري.

كل عام وأنتم بألف خير (أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: