تعاني مدينة منبج منذ سنوات من فوضى عارمة في سوق الإيجارات، حيث تتفاوت الأسعار بشكل كبير بين الأحياء المختلفة، وذلك في ظل غياب أي جهة رقابية تتولى مسؤولية ضبط السوق وتحديد أسعار عادلة. وعلى الرغم من تراجع الطلب على المنازل بعد عودة معظم النازحين إلى مناطقهم الأصلية، إلا أن أسعار الإيجارات لا تزال مرتفعة بشكل يفوق قدرة الأهالي، مما يزيد من معاناتهم في ظل التدهور المستمر للوضع الاقتصادي.
يروي حسن قره محمد، البالغ من العمر سبعة وثلاثين عامًا والمقيم في حي طريق حلب، تجربته مع سوق الإيجارات لمنصة سوريا ٢٤، قائلاً إن العلاقة بين المالك والمستأجر باتت تعكس شعورًا بالاستعلاء من جانب المالك ومحاولة لفرض شروط قاسية. وأوضح أنه قبل التحرير كان يدفع مئة دولار شهريًا لإيجار منزل، أما اليوم، ورغم انخفاض قيمة الدولار وصعوبة الأحوال المعيشية، فإنه لم يعد يجد أي منزل بهذا السعر أو أقل، بل إن أصحاب البيوت أصبحوا يطالبون بالإيجار مع بداية كل شهر دون مراعاة لظروف المستأجرين أو أوضاعهم.
أما حسين الحسن، البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا من حي الحزاونة، فيصف واقع السوق بأنه أصبح أكثر قسوة مما كان عليه سابقًا، مشيرًا إلى أن فرص العمل باتت أقل بكثير وأن الأسعار لم تنخفض كما كان يأمل الناس، بل ارتفعت في بعض الحالات. ويضيف أن أكثر ما يرهق المستأجرين هو اضطرارهم الدائم للانتقال من بيت إلى آخر، فما إن تستقر العائلة في منزل وتعيد ترتيب حياتها حتى يفاجئهم المالك بطلب الإخلاء بحجة حاجته إلى البيت أو عودة ابنه من السفر، لتبدأ رحلة البحث الطويلة عن منزل جديد، وغالبًا ما يكون الاختيار محصورًا بين بيت مرتفع الثمن أو منزل متهالك لا يصلح للسكن.
وعن أسباب ارتفاع الإيجارات، يوضح أبو رائد، وهو صاحب مكتب عقاري في المدينة، أن المشكلة لا تقتصر على المستأجرين وحدهم بل تعود إلى سلوكيات بعض الملاك الذين يرفعون الأسعار بلا مبرر، مشيرًا إلى أنه يقف غالبًا في صف المستأجرين لأن الظلم في هذا السوق صار واضحًا. ويقول لمنصة سوريا ٢٤ إن منبج قبل التحرير كانت مكتظة بالسكان وكان الطلب على البيوت مرتفعًا جدًا، ومع ذلك كان بالإمكان العثور على منزل بخمسين دولارًا وإن بصعوبة، أما اليوم ورغم تراجع عدد السكان وعودة الكثيرين إلى منازلهم فقد انخفضت الأسعار بنسبة لا تتجاوز خمسة عشر بالمئة فقط.
ويضيف أن المنازل الفارغة التي كانت تُؤجّر سابقًا بقيت الآن بلا طلب تقريبًا بعد مغادرة العائلات التي كانت تسكنها، بينما تظل المنازل الجيدة تُعرض بأسعار مبالغ بها إلى حد كبير، إذ يتم أحيانًا تأجير منزل بمئتي دولار لثلاثة أشهر في حين لا تتجاوز قيمته الفعلية خمسين دولارًا في الشهر، أما البيوت الرخيصة المتاحة فهي في حالة سيئة جدًا ولا تصلح للعيش.
وعن بيع العقارات، يؤكد أبو رائد أن الأسعار شهدت تراجعًا طفيفًا لكنها لا تزال مرتفعة، ويعزو السبب إلى جشع بعض التجار الذين يستغلون حاجة العائلات فيشترون بيوتًا بأسعار بخسة ثم يعيدون طرحها بمبالغ مرتفعة، مستشهدًا بحالة لرجل من حلب عرض منزله للبيع بخمسة عشر ألف دولار فلم يتلقَّ عروضًا تتجاوز عشرة آلاف دولار، وهو مبلغ يقل كثيرًا عن القيمة الحقيقية للعقار.
ومع استمرار هذا الواقع الصعب وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وغياب أي قوانين تنظم السوق أو تفرض رقابة فعلية على أسعار الإيجارات، تبقى معاناة أهالي منبج مستمرة، فيما يرى السكان أن الحل يكمن في وضع تسعيرة عادلة، وفرض رقابة تمنع استغلال المستأجرين، إضافة إلى تحسين الوضع الاقتصادي الذي أجبر كثيرين على العيش في مساكن غير لائقة. وحتى يتحقق ذلك، سيبقى البحث عن منزل مناسب في منبج رحلة شاقة ترهق العائلات وتضاعف من أعبائها اليومية.