الجمعة, 22 أغسطس 2025 11:58 PM

قمة ألاسكا: هل هي بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية؟

قمة ألاسكا: هل هي بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية؟

د. سلمان ريا يرى أنه على تخوم الجليد، حيث يلتقي الشرق والغرب في أقصى الشمال، انعقدت قمة واشنطن وموسكو. لم تكن هذه القمة مجرد اجتماع بروتوكولي أو حدثًا إعلاميًا عابرًا، بل بدت كمقدمة لعهد جديد في العلاقات الدولية، يختلف عن حقبة الحرب الباردة والانفراد الأميركي المتراجع. هذا العصر الجديد يقوم على إدارة النزاعات بدلًا من إنهائها، وتدوير الأزمات بدلًا من حلها جذريًا، والاعتماد على حلول مؤقتة تتحول إلى دائمة.

ما حدث في ألاسكا هو اعتراف ضمني بأن النظام الدولي الحالي غير قادر على تحقيق انتصارات كاملة أو سلام شامل. فالعالم يستهلك نفسه في حروب مدمرة لا جدوى منها، ويرى أن الاستقرار المؤقت أفضل من المخاطرة بتفجيرات جديدة. من هنا، تظهر فلسفة التوازنات المؤقتة: حروب منخفضة التكلفة، سلام محدود الكثافة، ومسرح سياسي تتحرك فيه القوى الكبرى ببراغماتية تحسب كل خطوة.

سوريا، بموقعها وعمقها الجيوسياسي، تبقى المرآة الأوضح لهذه التحولات. إنها مختبر للتفاهمات وميزان حساس لتوازن القوى. روسيا تسعى لتثبيت وجودها رغم العقوبات، وتركيا تستغل اللحظة لخدمة أمنها وحدودها وملف اللاجئين. إيران تدرك محدودية هامش المناورة بعد التوسع في مناطق النفوذ، وإسرائيل تواصل ضرباتها تحت غطاء التنسيق الضمني، والولايات المتحدة تدير الوضع من الخلف عبر الضغوط الاقتصادية والشروط السلوكية.

ما ينتظر السوريين ليس انفراجًا شاملًا، بل تراكم لتسويات صغيرة: معابر تفتح وتغلق، هدن موضعية، وخطوط تفاوض تبقى معلقة. لكن القراءة المتعمقة تكشف أن هذه اللحظة ليست عابرة، بل هي بداية لتاريخ جديد لا يعتمد على نصر مطلق أو هزيمة كاملة، بل على القدرة على البقاء والمشاركة في تشكيل المستقبل. التحدي أمام السوريين هو التحول من طرف في المساومات إلى فاعل في صياغة الغد. فالمستقبل لا يوهب، بل ينتزع بالوعي وحسن التقدير وبناء دور وطني جامع يستفيد من كل فرصة في التوازن الدولي.

ما بعد ألاسكا ليس مجرد قمة عابرة، بل لحظة تأسيسية لعصر جديد، زمن ثالث يتشكل ببطء، حيث تقاس قوة الدول بقدرتها على استشراف المستقبل، لا بما تملكه من سلاح أو أرض. والخيار، في النهاية، لنا: أن نصنع موقعنا في هذا العالم الجديد، أو أن يفرض علينا موقع في هامشه. (موقع اخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: