الجمعة, 11 يوليو 2025 08:56 AM

كنز من الذاكرة: "استديو الجبل" في السويداء.. أرشيف تاريخي ينبض بالحياة بفضل جهود أبناء سلمان أبو راس

كنز من الذاكرة: "استديو الجبل" في السويداء.. أرشيف تاريخي ينبض بالحياة بفضل جهود أبناء سلمان أبو راس

منذ أربع سنوات، انطلقت صفحة "استديو الجبل" على فيسبوك، في أعقاب بحث عن المطربة الراحلة أسمهان (آمال الأطرش) في ذكرى رحيلها في 14 تموز 1944. لم يقتصر الأمر على اكتشاف صور نادرة لها، بل امتد إلى أرشيف ضخم يخص محافظة السويداء.

من بين الصور، تبرز لقطة لأسمهان وهي تمتطي حصانها الأبيض في مسقط رأسها عام 1942، وأخرى لابنتها كاميليا في عيد ميلادها السابع عام 1944 مع أخيها غير الشقيق زيد الأطرش، في منزل والدهما الأمير حسن الأطرش في السويداء.

"استديو الجبل"، الذي أسسه المصور الراحل سلمان أبو راس، كان أول محل تصوير في المحافظة، والوحيد حتى عام 1960.

عدسة وثقت تاريخ السويداء

سلمان أبو راس (1922-2008)، اشترى الاستوديو من مصور أرمني يدعى يروانت فيرمانيان، الذي علّمه المهنة قبل سفره إلى لبنان. تجولت عدسة أبو راس في شوارع ومقاهي وبيوت السويداء، لتلتقط وتؤرشف يوميات الناس والأحداث الهامة، مثل احتفال عيد الجلاء عام 1958 بحضور القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، وأول مهرجان رياضي في السويداء عام 1950، بالإضافة إلى صور لجمعية بيت اليتيم الخيرية ومكتب البرقيات والمكالمات القطرية والدولية في أوائل الخمسينيات.

حضرت عدسة أبو راس في الشوارع والمقاهي والبيوت، تلتقط وتُؤرشف وتحفظ يوميات الناس والأحداث الفاصلة في حياتهم.

فقدان جزء كبير من الأرشيف

لسوء الحظ، فُقد الجزء الأكبر من أرشيف المصور الراحل في حريق عام 1976، وضاع جزء آخر لاحقاً. لم يتبق سوى قسم صغير، حافظ عليه أبناء أبو راس الذين ساروا على دربه في التصوير، وأنشأوا صفحة على فيسبوك لإحياء ذكرى الزمن الجميل الذي وثقته عدسة والدهم. يعمل حالياً إحسان أبو راس على حفظ "النيغاتيف" المتبقي بطرق حديثة لحمايته من التلف.

يقول إحسان أبو راس: "لدي صور يعود تاريخها إلى مئة عام، لذلك يجب الحفاظ عليها والاهتمام بها، وإظهارها بأفضل شكل ممكن، وإعادة تخزينها بالأساليب الحديثة".

تدقيق المعلومات قبل النشر

يحرص إحسان أبو راس على تدقيق المعلومات المتعلقة بالصور قبل نشرها، والتأكد من صحة الزمان والمكان والأشخاص. كما يبحث في مواقع الإنترنت للتأكد من عدم نشرها سابقاً. يوضح أن معظم الصور الخاصة بالسويداء من عام 1960 وما قبله، مأخوذة من "استديو الجبل"، لأنه كان الاستوديو الوحيد في تلك الفترة. ويضيف: "بعض الصور تحتاج إلى شهرين من البحث والتدقيق، للتأكد من أنها تُعرض لأول مرة أم لا. أما صور أسمهان، فهي تعود إلى أرشيف خاص بالوالد، لم يُنشر من قبل".

فُقِد القسم الأكبر من أرشيف المصوّر الراحل في حريقٍ شبّ في الاستوديو عام 1976، كذلك فُقِد آخر بطريقةٍ ما، ولم يتبقَ إلّا قسمٌ بسيط.

غياب الدعم والاهتمام

على الرغم من أهمية وندرة الصور التي يمتلكها إحسان أبو راس، والتي يمكن اعتبارها وثائق تاريخية، إلا أنه لم يجد اهتماماً من أي جهة في السويداء أو غيرها. حتى إقامة معرض لعرض هذا الأرشيف الهائل، يعتبر أمراً صعباً ومكلفاً، لأنه يحتاج إلى صور مطبوعة بأجهزة معينة تتناسب مع وضعها الحالي. لذلك، يكتفي بالنشر على الصفحة، لتعريف الأجيال الشابة بتاريخهم، خاصة وأن الصور تغطي جوانب حياتية متنوعة، بالإضافة إلى صور لأبناء المحافظة من المبدعين والمؤسسين، مثل حسين يوسف نعيم، الذي كان مهتماً بإصلاح الآلات الكاتبة، حتى أن سلطان باشا الأطرش كان يرسل له أسلحته الشخصية لإصلاحها.

كنز دفين من الصور

ترك أبناء سلمان أبو راس العمل في التصوير، وفي عام 2011 باعوا المحل واتجهوا إلى مهن أخرى. بقي إحسان يعمل على أرشيف والده من منزله، بعد أن هيأ زاوية مناسبة. يمتلك إحسان أيضاً أرشيفاً شخصياً جمعه خلال 25 عاماً قضاها في "استديو الجبل". إنه يبذل جهداً كبيراً لنشر هذا الكنز من الصور، الذي يستحق العرض في متاحف وصالات تليق بقيمته، ليس فقط لأنه يستحضر تاريخاً حافلاً بالتغيرات، بل لأنه يشرح ويوضح الكثير مما اختفى عبر الزمن.

مشاركة المقال: