أعاد وزير العدل اللبناني، عادل نصّار، إحياء ملفات الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان على مدى عقود، والتي لم تسلك مسارها القضائي بسبب العوائق السياسية والأمنية التي فُرضت خلال فترة الوصاية السورية على لبنان. وقام الوزير بتعيين محققين عدليين لفتح تحقيقات في هذه الملفات وكشف مرتكبيها، معتبراً أن جميع هذه الجرائم محالة على المجلس العدلي (أعلى سلطة قضائية) ولا تسقط بالتقادم.
يأتي قرار نصّار بتعيين محققين عدليين للاغتيالات السياسية في سياق إعطاء القضاء حرية أكبر بعد تحرره من التدخلات السياسية، وذلك بهدف الكشف عن هوية من اتخذ قرار ارتكاب هذه الجرائم، ومن خطط لها ونفذها وأخفى الأدلة التي تقود إلى الفاعلين، في محاولة لوضع حدّ لثقافة الإفلات من العقاب السائدة في لبنان منذ نصف قرن.
تضمنت لائحة التعيين القضاة: أميرة صبرا، محقق عدلي في قضية اغتيال الشيخ أحمد عساف؛ وفادي عقيقي، محقق عدلي في قضية محاولة اغتيال النائب السابق مصطفى معروف سعد؛ ويحيى غبورة، محقق عدلي في جريمة الهجوم المسلح على بلدة إهدن، الذي أسفر عن مقتل النائب طوني فرنجية مع أفراد عائلته وبعض مرافقيه؛ وجوزيف تامر، محقق عدلي في قضية محاولة اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون؛ وآلاء الخطيب، محقق عدلي في المواجهات التي حصلت في محلة بورضاي في بعلبك؛ وفادي صوان، محقق عدلي في قضية اغتيال الوزير السابق إيلي حبيقة؛ وسامر يونس، محقق عدلي في قضية اغتيال النائب أنطوان غانم ورفاقه؛ وكمال نصار، محقق عدلي في قضية مقتل الشيخ صالح العريضي في بلدة بيصور؛ وسامي صادر، محقق عدلي في قضية اغتيال النائب والوزير بيار أمين الجميّل ومرافقه سمير الشرتوني؛ وسامر ليشع، محقق عدلي في قضية اغتيال الصحافي سمير قصير؛ وكلود غانم، محقق عدلي في قضية اغتيال النائب والصحافي جبران غسان تويني مع مرافقيه.
أفاد مصدر قضائي بأن القرار جاء نتيجة تشاور مسبق بين وزير العدل اللبناني ومجلس القضاء الأعلى حول الأسماء المقترحة. وأوضح أن التعيينات الجديدة أتت بعد وفاة قضاة كانوا يتولون التحقيق العدلي في بعض الجرائم وإحالة آخرين على التقاعد، مشيراً إلى أن دفعة جديدة من محققين عدليين ستصدر بملفات أخرى بينها قضية اغتيال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، واغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض، والجرائم التي طالت سياسيين مثل النائب وليد عيدو، والوزير محمد شطح، وغيرهما.
وشدد على أهمية أن تنتهي هذه الملفات بقرارات قضائية، سواء بكشف النقاب عن مرتكبيها، حتى لو استغرق التحقيق وقتاً طويلاً.
تكتسب هذه الخطوة بعداً سياسياً يتخطّى لبنان، حيث ذكر مصدر متابع للقضية أن قرار التعيين جاء بعد اجتماع وزير العدل اللبناني مع اللجنة القضائية السورية في بيروت، وطلب تزويد لبنان بمعلومات عن جرائم الاغتيال السياسي التي وقعت في لبنان.
ورجّح المصدر أن يكون القرار توطئة لتعاون سوري مع لبنان في المرحلة المقبلة، خاصة بعد تجاوب الجانب السوري مع الطلب اللبناني، ووعد بتقديم كل ما يتوفر لدى السلطات السورية من أدلة ووثائق يمكن أن تكون موجودة في سوريا، ويتم العثور عليها بعد فرار بشار الأسد وأركان نظامه، خصوصاً من القصور الرئاسية والمقرات الأمنية.
يعوّل لبنان على تعاون سوري في هذه القضايا، سواء بالنسبة لجرائم الاغتيال القديمة أو التي حصلت في السنوات الأخيرة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في ربيع عام 2005. وأشار المصدر إلى أن دمشق عبّرت خلال اللجنة القضائية التي زارت بيروت مؤخراً عن رغبتها في التعاون مع القضاء اللبناني وتقديم كل ما يتوفر لها من وثائق ومعلومات.
وشدد المصدر على أن لبنان قدّم للجنة السورية معلومات موثقة عن تورّط أشخاص سوريين في اغتيال وتفجيرات حصلت في لبنان، منها تفجير مسجدَي السلام والتقوى في طرابلس، والذي دبره ضباط في المخابرات السورية معروفون بالأسماء، بالتعاون مع عناصر من الحزب العربي الديمقراطي بقيادة رفعت عيد لجأوا إلى سوريا بعد العملية، بالإضافة إلى تورّط اللواء علي مملوك، والذي أدخل بالاتفاق مع الوزير السابق ميشال سماحة 25 عبوة ناسفة من دمشق إلى لبنان في عام 2012 لتفجيرها بموائد خلال إفطارات رمضانية، ومحاولة قتل نواب ومرجعيات دينية في طرابلس وعكار.
ولفت إلى أن الجانب اللبناني طلب من السوريين المساعدة في توقيف اللبناني حبيب الشرتوني الذي اغتال الرئيس بشير الجميل، وهو الآن في سوريا، بالإضافة إلى لبنانيين ارتكبا جريمة قتل قياديين في حزب الكتائب اللبنانية في زحلة. وأشار المصدر إلى أن خطوة وزير العدل تأتي استباقاً للأجوبة التي سترد من سوريا، ولإطلاق التحقيقات القضائية بشكل فاعل.