الخميس, 16 أكتوبر 2025 06:03 AM

أزمة غلاء الأسعار تضرب رأس العين وتل أبيض: المؤونة الشتوية حلم بعيد المنال

أزمة غلاء الأسعار تضرب رأس العين وتل أبيض: المؤونة الشتوية حلم بعيد المنال

تواجه العائلات في مدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا صعوبات معيشية متزايدة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، مما أثر سلبًا على قدرتهم على تأمين المؤونة الشتوية. شهدت أسعار معظم المواد الغذائية، بما في ذلك الخضراوات والألبان والزيوت، ارتفاعًا كبيرًا خلال الأشهر القليلة الماضية، في حين أن متوسط الأجر اليومي للعامل لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية (حوالي 8.5 دولار أمريكي)، مما يجعل تحضير المؤونة الشتوية بالكميات المعتادة أمرًا صعبًا للغاية على العائلات. ويبلغ سعر صرف الدولار الواحد حوالي 11500 ليرة سورية في السوق السوداء.

اضطرت بعض الأسر إلى تقليل كميات المؤونة الشتوية والاكتفاء بالحد الأدنى لتلبية الاحتياجات الأساسية، بينما لم تتمكن أسر أخرى من تحضير المؤونة على الإطلاق، معتمدة على المساعدات أو شراء ما يلزم عند الحاجة فقط. لم تستطع سلمى المحمد، من مدينة تل أبيض، هذا العام تحضير سوى ثلاثة كيلوغرامات من "المكدوس" وأربعة كيلوغرامات من الجبن. وأوضحت أن ارتفاع أسعار المواد الأولية مثل الزيت والباذنجان والمكسرات أدى إلى تقليل الكميات المحضرة هذا العام. وأشارت إلى أن تحضير كيلوغرام واحد من "المكدوس" يكلف حوالي 75,000 ليرة سورية، وهو مبلغ كبير مقارنة بدخلها المحدود. وذكرت أنها كانت تحضر في السنوات السابقة حوالي عشرة كيلوغرامات من "المكدوس" و 25 كيلوغرامًا من الجبن لعائلتها، لكن ارتفاع الأسعار أجبرها هذا العام على تقليص الكميات بشكل كبير.

من جانبها، قالت حنان كرم الدين من مدينة رأس العين لعنب بلدي، إنها توقفت عن تحضير المؤونة الشتوية منذ ثلاث سنوات بسبب التكلفة العالية ودخلها المحدود، مما جعل الاستمرار في هذه العادة، التي كانت جزءًا من تقاليد العائلة، أمرًا صعبًا. وأوضحت أن عملها كخياطة بدخل لا يتجاوز مليون ليرة سورية شهريًا (حوالي 87 دولارًا أمريكيًا) لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية مثل السكر والأرز والزيت، بالإضافة إلى المعلبات والخضراوات التي تحتاجها العائلة خلال فصل الشتاء. وأشارت إلى أنها تعيل ثلاثة أطفال، مما يزيد من ضغوط الحياة اليومية ويجعل تحضير المؤونة الشتوية التقليدية كما كانت تفعل في السنوات السابقة أمرًا مستحيلًا، لتبقى عادات الشتاء وذكرياته مرهونة بالظروف الاقتصادية الصعبة.

يعتمد سكان رأس العين وتل أبيض، البالغ عددهم 253,000 نسمة، بشكل أساسي على قطاع الزراعة. الليرة السورية هي العملة المتداولة في المنطقة، لكن وضعها المضطرب أرهق السكان. أما العملة الثانية فهي الليرة التركية (غير متداولة بكثرة) بسبب قرب المدينة من الحدود التركية، والعملة الثالثة هي الدولار الأمريكي.

تعتبر أسعار المواد الأولية من خضراوات وزيوت ومكسرات وأجبان من أبرز التحديات هذا الشتاء في رأس العين وتل أبيض، حيث ارتفعت بشكل كبير، مما دفع العائلات إلى تقليل الكميات أو الاستغناء عنها تمامًا. قال عمار حمدان، صاحب "بسطة" للخضار في تل أبيض، لعنب بلدي، إن هذه الفترة تعتبر فرصة لبيع الخضار المستخدمة في تحضير المؤونة الشتوية، مثل الباذنجان والفليفلة والخيار والثوم، لكن ارتفاع أسعارها أثر بشكل كبير على المبيعات. وأوضح أنه كان يبيع سابقًا حوالي 300 كيلوغرام من الخضار المستخدمة في المؤونة الشتوية يوميًا، أما الآن فلا يبيع أكثر من 40 كيلوغرامًا يوميًا، وهو رقم منخفض جدًا مقارنة بالسابق. وأضاف أن سعر الباذنجان وصل إلى 8000 ليرة سورية، والثوم إلى 40,000 ليرة، والفليفلة إلى 17,000 ليرة، والبندورة المستخدمة للضغط إلى 15,000 ليرة سورية.

وأشار إلى أن الحل يكمن في دعم المواد الأولية من الجهات الحكومية وتوفير بدائل للمزارعين والباعة، لتسهيل عملية شراء المواد الأساسية للأسر. من جانبه، قال محمد الراشد، صاحب محل لبيع المواد الغذائية من رأس العين، لعنب بلدي، إن ارتفاع أسعار المواد الأولية لتحضير المؤونة الشتوية أدى إلى عزوف السكان عن شرائها. وأوضح أن سعر أرخص نوع من المكسرات يصل إلى 40,000 ليرة سورية، أما الجوز فيصل سعره إلى 90,000 ليرة، وزيت الزيتون الأصلي فسعره 95,000 ليرة للكيلو. وأشار إلى أن قسمًا كبيرًا من السكان لجأ إلى شراء الزيت النباتي لتحضير "المكدوس" و"المحمرة" وغيرها من أصناف المؤونة الشتوية، لأنه أرخص من الزيت الأصلي، رغم أنه غير مناسب للتخزين لفترات طويلة وقد يسبب مشكلات صحية، لكنه الخيار الوحيد المتاح أمام الأسر ذات الدخل المحدود لتغطية احتياجاتها الشتوية. ولفت إلى أن ارتفاع الأسعار هذا العام جعل الكثير من العائلات تقيد مشترياتها بالحد الأدنى أو تترك بعض المواد الأساسية تمامًا.

تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات القتال مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.

مشاركة المقال: