استضافت باريس يوم الجمعة الموافق 25 تموز/يوليو 2025 اجتماعاً ثلاثياً هاماً ضم وزراء خارجية سوريا وفرنسا والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا. هدف الاجتماع إلى بحث سبل تنفيذ اتفاق العاشر من آذار بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالإضافة إلى تعزيز المسار السياسي الرامي إلى تحقيق الاستقرار في سوريا.
أكد المشاركون في الاجتماع على التزامهم بوحدة الأراضي السورية وسيادتها، مع التركيز بشكل خاص على مكافحة الإرهاب ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف.
تهدئة الأوضاع في المناطق المتوترة
تمحورت المناقشات حول تعزيز التعاون الثلاثي بهدف دعم تنفيذ اتفاق العاشر من آذار، والذي يهدف إلى تهدئة الأوضاع في المناطق التي تشهد توترات، لا سيما في شمال شرق سوريا ومحافظة السويداء. كما تبادل المجتمعون وجهات النظر حول كيفية تعزيز الاستقرار من خلال تنسيق الجهود الدولية.
وقد صدر عن الاجتماع بيان ثلاثي تضمن النقاط الرئيسية التالية:
- دعم المسار السياسي: التزام الأطراف بدعم عملية سياسية بقيادة سورية تضمن وحدة البلاد واستقرارها.
- مكافحة الإرهاب: تعزيز التعاون الدولي لدعم مؤسسات الدولة السورية في مواجهة التحديات الأمنية.
- جولة مشاورات جديدة: الدعوة إلى عقد لقاء تشاوري جديد في باريس بين الحكومة السورية و”قسد” لاستكمال تنفيذ اتفاق آذار.
- محاسبة مرتكبي العنف: الترحيب بنتائج تقارير لجنة التحقيق الوطنية المستقلة حول أحداث الساحل السوري، مع التأكيد على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
- مبدأ حسن الجوار: التشديد على عدم تهديد أي طرف لاستقرار الآخرين، حفاظاً على أمن المنطقة.
الموقف السوري
أكد الوزير الشيباني خلال الاجتماع على أهمية التنسيق الدولي لدعم حل سياسي شامل يضمن حقوق جميع المكونات السورية، مع التركيز على تعزيز التماسك المجتمعي في مناطق حساسة مثل شمال شرق سوريا والسويداء. وفي تصريحات لمدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية السورية، قتيبة إدلبي، لـ”الإخبارية السورية”، اتهم “قسد” بمحاولة فرض واقع اجتماعي وثقافي في دير الزور، والاستيلاء على مواردها. وأشار إدلبي إلى أن تنفيذ اتفاق آذار لم يُحرز تقدماً، لكنه أكد تمسك الحكومة السورية بالحلول العقلانية لتحقيق اندماج كامل، بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا لوحدة سوريا.
الموقف الأمريكي
علّق المبعوث الأمريكي توماس باراك عبر منصة (إكس) على الاجتماع، مؤكداً أن “سوريا المستقرة والآمنة تُبنى على أساس جيران وحلفاء عظماء”. وأشار إلى أهمية الدبلوماسية الحثيثة التي تنتهجها الولايات المتحدة، مضيفاً أن بلاده ستواصل العمل مع الشركاء لتحقيق الرخاء في سوريا.
في المقابل، تُبرز اتهامات إدلبي لـ”قسد” العقبات التي تواجه تنفيذ اتفاق آذار، بما في ذلك الخلافات حول إدارة الموارد والهوية الثقافية في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”. ومع ذلك، فإن التزام الأطراف الدولية، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، بدعم وحدة سوريا واستقرارها يعزز فرص استئناف الحوار.
تحليل وتوقعات
يُعد اجتماع باريس خطوة مهمة نحو إحياء المسار السياسي في سوريا، لكنه يكشف عن تحديات كبيرة، خاصة في ظل التوترات المستمرة بين الحكومة السورية و”قسد”. واعتبر المحلل والباحث في القانون الدولي، فراس حاج يحيى، في حديث لمنصة ، أن: “البيان المشترك الصادر عن الولايات المتحدة وفرنسا وسوريا يعكس مرحلة جديدة من الاتصالات الدبلوماسية التي تتم في لحظة مفصلية بالنسبة للمسألة السورية، ومن المهم التنويه إلى أن اللغة المستخدمة في البيان، وإن بدت تعاونية، إلا أنها تُحمّل في طياتها شروطا سياسية قد لا تتماشى بالضرورة مع الرؤية السيادية للدولة السورية”.
وتابع: “أجد أن الإشارة إلى مسار جديد من المشاورات، خاصة في باريس، توحي بأن العاصمة الفرنسية قد تتحول إلى منصة لجولات متعددة من التفاوض، لكن شخصياً، لا أُبدي تفاؤلاً كبيراً بإمكانية نجاح هذه اللقاءات ما لم تتوفر إرادة دولية حقيقية تتجاوز الاعتبارات التكتيكية قصيرة المدى، ومع وجود دور إسرائيلي سلبي وتوسعي تجاه سوريا، كما أعتقد أن الولايات المتحدة، بحكم حجم تأثيرها الفعلي على الأطراف الفاعلة في الملف السوري، هي الطرف الذي سيُناط به في نهاية المطاف رسم الملامح النهائية لأي تسوية ممكنة”.
وختم بالقول: “مع ذلك، فإن تأكيد البيان على سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها يظل نقطة إيجابية لا بد من البناء عليها، شرط ألا تُستخدم هذه المبادئ كغطاء لفرض أجندات لا تحترم واقع الدولة ومؤسساتها الوطنية”.
استغلال ورقة قسد والفصائل الدرزية
ورأى الكاتب والمحلل السياسي، أحمد قاسم، في حديث لمنصة ، أن: “فرنسا تستغل ورقة قوات قسد والفصائل الدرزية لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من موقعها، خاصة في ظل محاولاتها التنسيق مع الكيان الصهيوني في جنوب سوريا، وهو ما يتجلى بوضوح في الرسائل الضمنية الواردة في البيان، الذي يدعو الحكومة السورية إلى التصدي للمجموعات المسلحة (المصنفة دولياً كمنظمات إرهابية)، في محاولة لانتزاع تنازلات أكبر من دمشق”.
وأضاف: “في المقابل، يسعى الكيان الصهيوني للضغط عبر علاقاته مع واشنطن وباريس، مستفيداً من تحركاته العسكرية ونفوذه على المحاور المؤثرة في المنطقة، مما يستدعي من سوريا ضرورة بناء تحالفات استراتيجية إقليمية ودولية لمواجهة هذه التحديات، وعدم السماح بتفريق الدول الإقليمية”.
صراع بين مشروعين
ولفت إلى أن: “الوضع الحالي يشهد صراعاً بين مشروعين: الأول يسعى إلى تقسيم المنطقة، والآخر يعمل على الحفاظ على الخارطة السياسية القائمة. ونظراً للمكانة الجيوسياسية الاستراتيجية التي تتمتع بها سوريا، فإنها تمر بمرحلة اختبار حاسمة، تتطلب فهماً عميقاً لتطورات التحالفات ومخاطرها، وتعزيز الوحدة الداخلية للحفاظ على أراضيها وتماسك نسيجها المجتمعي، بعيداً عن الخطابات التحريضية، ودعم الحكومة الوليدة في ترسيخ سلطتها على كامل التراب السوري”.
فرصة حاسمة لتقريب وجهات النظر
قد تكون الجولة التشاورية المرتقبة في باريس فرصة حاسمة لتقريب وجهات النظر، لكن نجاحها يعتمد على مدى استعداد “قسد” والحكومة السورية لتقديم تنازلات متبادلة. كما أن دعم المجتمع الدولي لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات قد يسهم في تعزيز الثقة بين الأطراف السورية. ومع استمرار التحديات، يبقى التنسيق بين الأطراف الدولية والمحلية ضرورياً لتحقيق تقدم ملموس، مع التأكيد على أهمية الحوار العقلاني لحل الخلافات وضمان وحدة سوريا وسيادتها.
يُذكر أن مظلوم عبدي، قائد قوات قسد، وقّع في آذار/مارس الماضي اتفاقاً مع الرئيس السوري أحمد الشرع لدمج كامل القوات والمؤسسات التابعة لـ”قسد” ضمن الحكومة السورية، إلا أن التنفيذ تعثّر بسبب مطالب من “قسد” بالحكم الذاتي، ورفضهم الاندماج الكامل في وزارة الدفاع، مع تمسكهم بقيادة وتنظيم عسكري مستقل داخل الجيش السوري. في المقابل، كرّر السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توماس باراك، موقف واشنطن الرافض لأي مطالب انفصالية، مؤكداً دعم واشنطن لـ”سوريا موحدة بجيش واحد ودولة واحدة”.