الإثنين, 6 أكتوبر 2025 03:04 PM

الإبداع واللغة: هل اللهجات المحلية تتفوق على الفصحى في التعبير؟

الإبداع واللغة: هل اللهجات المحلية تتفوق على الفصحى في التعبير؟

يجدر بنا الإقرار بأن الإبداع شأن فردي منفلت، ولا تحكمه قواعد متفق عليها. بمعنى آخر، لا يمكن تحديد شروط محددة لولادة مبدع في أي مجال فني أو أدبي أو فكري.

فالمبدع قد يظهر في مدينة كبيرة مثل دمشق، حيث تتلقفه وسائل الإعلام وترعاه وتحفزه على المثابرة. وقد يولد في قرية جبلية أو مدينة صغيرة بعيدة عن الحواضر الكبرى، مثل السلمية وعامودا والملاجة.

قد يعترض البعض بالإشارة إلى زياد الرحباني وكيف رعاه والده عاصي الرحباني منذ صغره، مما ساهم في نبوغه في التلحين والغناء والسخرية. وهذا صحيح، ولكن كيف نفسر عدم نبوغ أبناء معظم المبدعين، وإخفاقهم إذا حاولوا تقليد آبائهم؟

هنا، ننتقل إلى فكرة قد تزعج أنصار اللغة العربية، وهي أن الإبداعات الغنائية باللهجات المحلية كانت أرفع شأنًا من الإبداعات الفصيحة. فالكاتب يشير إلى ولعه بشعر عبد الرحمن الأبنودي الذي يكتب الشعر مثلما يتنفس.

خلال البحث في عالم غناء عصر النهضة الموسيقية في مصر، تم العثور على أسماء مبدعين باللهجة المصرية لا يشق لهم غبار، مثل صلاح جاهين وبديع خيري وبيرم التونسي وأحمد رامي ومرسي جميل عزيز وسيد حجاب. بينما الأسماء التي أبدعت بالفصحى قليلة ولم تبلغ مستويات تتيح المقارنة الجدية. والسبب يكمن في أن المبدع يفكر باللغة المحلية ويستخدمها في حياته اليومية، فيتحول الإبداع بها إلى سليقة. أما الكتابة بالفصحى فتتطلب "ترجمة" الأفكار من المحلية إلى الفصحى، والنص الأصلي يكون دائمًا أفضل من المترجم.

يحتاج الإبداع باللغة المحلية إلى شجاعة استثنائية. ولعل أول من أقدم عليها في سوريا هو فخري البارودي، الذي كان يحرر صحيفته "حط بالخرج" بالمحلية الشامية قبل نحو قرن من الزمان.

شهدت الساحة الثقافية العربية معارك حامية الوطيس بين أنصار العربية الفصيحة وكل مبدع هجرها. فعندما دعا الشاعر اللبناني سعيد عقل إلى الكتابة بالعامية اللبنانية واستخدام الحرف اللاتيني، انهمرت عليه الانتقادات من مختلف أنحاء البلاد العربية.

الكاتب شخصيًا لا يتدخل في خيارات المبدعين، ولكنه يميل إلى اللغة المفهومة والتخفف من الأشياء التي أحيطت بالقداسة، بما في ذلك اللغة. مع الإشارة إلى أنه لا يوجد شعب أو دولة أو مدينة أو قرية تتحدث بالعربية الفصحى خارج نطاق المراسلات الرسمية والكتب، بالإضافة إلى الشعراء الذين تشعر عند مجالستهم أنك في سوق عكاظ!

مشاركة المقال: