السبت, 23 أغسطس 2025 02:38 AM

السعودية تدعم التحول الرقمي في سوريا: فرص واعدة وتحديات تواجه الحكومة الإلكترونية بدمشق

السعودية تدعم التحول الرقمي في سوريا: فرص واعدة وتحديات تواجه الحكومة الإلكترونية بدمشق

يتسارع التعاون السعودي – السوري على مسارين متوازيين: مسار استثماري يهدف إلى توفير الإطار القانوني والتمويلي اللازم، ومسار تقني يركز على أتمتة الحكومة والتحول الرقمي، باعتبارهما أداتين أساسيتين لإصلاح الخدمة العامة وتعزيز كفاءة الاقتصاد.

زيارات رسمية واتفاقيات داعمة

وقد تعزز هذا التوجه من خلال الزيارات والاجتماعات الرسمية، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقية لحماية وتشجيع الاستثمارات في الرياض، بالإضافة إلى اجتماعات وزير الاقتصاد السوري مع وزارة الاستثمار وهيئة الاستثمار ومجلس رجال الأعمال السعودي – السوري. كما تجدر الإشارة إلى الزيارة التي قام بها الرئيس أحمد الشرع إلى مقر الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا»، وما تلاها من نقاشات حول الاستثمار في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي.

وفي السياق ذاته، يجري العمل حاليًا على دراسة جدوى بالتعاون مع مجموعة «تداول السعودية» لإنشاء وتشغيل سوق دمشق للأوراق المالية، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز البنى المؤسسية الرقمية وتستدعي تحديث منظومات الإفصاح والتسوية والهوية المالية وربطها بمنصات حكومية حديثة.

تحديث مشروط بإصلاح البيروقراطية

يرى مستشار الامتثال المصرفي والحوكمة ومكافحة الجرائم المالية آلان خضركي، في حديثه لمنصة سوريا 24، أن التوجه السعودي نحو الاستثمار في الأتمتة والتحول الرقمي يعكس رغبة حقيقية في تحديث البنية التحتية الاقتصادية وتطبيق التكنولوجيا الحديثة، مما يساهم في تعزيز الكفاءة المؤسسية والإنتاجية الوطنية، ويدفع عجلة التنمية المستدامة. ولكنه، في المقابل، أكد على أن نجاح هذه الخطوة يتوقف على معالجة التحديات البيروقراطية والأمنية، معتبرًا أن تجاوزها يتطلب إعادة هيكلة الجهاز الإداري، وتبسيط الإجراءات، وتبني التحول الرقمي في الدوائر الرسمية كخيار استراتيجي وليس ثانويًا.

كما شدد على أن ترتيب الأولويات في توجيه الاستثمارات الخليجية يجب أن يشمل الطاقة التقليدية والمتجددة، وتحلية المياه، والحكومة الإلكترونية، وتطوير البنية التحتية للنقل والاتصالات، إلى جانب تحديث القطاع المالي والمصرفي، باعتبارها ركائز أساسية لبناء الدولة الحديثة.

خطوات تقنية في طور التنفيذ

ويتكامل هذا التصور مع الوقائع المعلنة، حيث تمنح الاتفاقية الاستثمارية الثقة والضمانات، وتمهد لعقود التحول الرقمي، فيما تفتح زيارة “سدايا” قناة لنقل المعرفة في البيانات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني ونماذج الحكومة الرقمية. أما اجتماعات وزير الاقتصاد ورئيس هيئة الاستثمار السوريين في الرياض مع الجهات الاستثمارية، فقد حولت العموميات إلى مسارات تنفيذ قابلة للقياس في قطاعات الاتصالات والخدمات المالية والبنية التحتية، وسط توقعات باستثمارات كبيرة تمكن من إطلاق الهوية الرقمية والدفع الإلكتروني وربط السجل المدني والتراخيص عبر بوابة موحدة.

فصل جديد من التعاون السعودي – السوري

من جانبه، يرى الصحفي السعودي ماجد المالكي، خلال حديثه لمنصة سوريا 24، أن دخول الاستثمارات السعودية إلى سوريا في هذا التوقيت، وخاصة في مجالات الأتمتة والتحول الرقمي، لا يعد مجرد تدفق رأسمالي، بل يمثل إعلانًا صريحًا عن بداية فصل جديد في العلاقة بين البلدين. وأوضح المالكي أن هذه الاستثمارات تعكس ثقة الرياض بقدرة سوريا على التعافي وعودة دورها الاقتصادي، مشيرًا إلى أن فوائدها تشمل خلق فرص عمل واسعة، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتجديد الثقة في بيئة الأعمال المحلية، والتخفيف من الأعباء المالية عن الدولة في مرحلة إعادة الإعمار.

كما بين أن أبرز القطاعات المرشحة للاستثمار السعودي خلال المرحلة المقبلة تتمثل في السياحة والعقار والبنية التحتية والخدمات اللوجستية، وهي قطاعات قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد سريعًا. ومن وجهة نظره، فإن المؤتمر الاستثماري الأول مثل “حجر الأساس” لمسار جديد، إذ نجح في إيصال رسالة واضحة مفادها أن بيئة الاستثمار السورية تشهد تحولات نوعية، وأن هناك جدية في فتح الأبواب أمام رؤوس الأموال، فيما سيضيف المؤتمر الثاني، المزمع عقده، عنصر الاستدامة عبر تحويل التفاهمات إلى مشاريع ملموسة وتوسيع قاعدة المستثمرين.

ويتفق خضركي والمالكي على أن الدعم السعودي لا يقف عند حدود التمويل، بل يمتد إلى نقل الخبرات التقنية وتأسيس شراكات استراتيجية تسرع التحول الرقمي وتحديث البنية الاقتصادية في قطاعات حيوية مثل المصارف والجمارك والضرائب. ويرى الطرفان أن الشفافية والحوكمة الرشيدة والإفصاح عن تفاصيل الاتفاقيات وبرامج التنفيذ، إلى جانب تفعيل دور الرقابة المؤسسية، عناصر لا بد منها لإنجاح المرحلة المقبلة وضمان أثر اقتصادي واجتماعي مستدام، مع ضرورة إشراك الكفاءات الوطنية في التنفيذ حتى تتحول المشاريع إلى قدرات محلية راسخة.

فرص التعاون التقني وتحدياته

تجمع المشهدية الراهنة بين بيئة قانونية وتمويلية آخذة في الاكتمال وقناة تقنية واضحة المعالم، بما يتيح لسوريا البدء عمليًا في مشروع الحكومة الإلكترونية إذا ما عولجت التحديات المتوقعة. وتشمل هذه التحديات بطء البيروقراطية وتشابك الإجراءات واختلالات الامتثال، إضافة إلى فجوة المهارات وتحديات الأمن السيبراني وحماية البيانات واستدامة التمويل.

ويبقى نجاح المسار مرهونًا بتحويل الاتفاقيات والزيارات إلى برامج تنفيذية ذات جداول زمنية ومؤشرات أداء قابلة للقياس، وبترسيخ الحوكمة والشفافية وتحديث الأطر التشريعية، بما يفضي إلى خدمة عامة أكثر كفاءة، وثقة استثمارية أعلى، واندماج اقتصادي أمتن في المحيط الإقليمي.

مشاركة المقال: