الثلاثاء, 29 أبريل 2025 12:46 AM

تحذيرات واشنطن المتكررة بشأن سوريا: حماية أمريكية أم ضغوط سياسية؟

تحذيرات واشنطن المتكررة بشأن سوريا: حماية أمريكية أم ضغوط سياسية؟

في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، وبالتزامن مع الجهود الدولية لإعادة الاستقرار إلى البلاد، تعود الولايات المتحدة مرارًا لتصدر تحذيرات أمنية صارمة بشأن السفر إلى سوريا. آخر هذه التحذيرات جاء في 18 نيسان/أبريل الماضي، حيث حذرت وزارة الخارجية الأمريكية من هجمات محتملة تستهدف أماكن عامة مثل الفنادق ومراكز التسوق، واصفة الوضع بأنه يمثل "التحذير الرابع"، وهو أعلى مستوى تحذيري يُصدره الجهاز الدبلوماسي الأمريكي. لكن هل هذه التحذيرات تعكس فقط رغبة الولايات المتحدة في ضمان سلامة مواطنيها، أم أنها تخفي وراءها أبعادًا سياسية واستراتيجية أوسع؟

خلفية التحذيرات الأمنية

تأتي التحذيرات الأمريكية في سياق أمني وسياسي معقد في سوريا، فمنذ الإطاحة بنظام الأسد السابق في كانون الأول/ديسمبر 2024، تشهد البلاد مرحلة انتقالية هشة، مع بروز إدارة جديدة تواجه تحديات أمنية وسياسية كبيرة. تشمل هذه التحديات:

  • تهديدات تنظيم داعش: رغم هزيمته العسكرية في 2019، لا يزال التنظيم يحتفظ بخلايا نائمة تنفذ هجمات متفرقة، خاصة في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية.
  • تعدد القوى الفاعلة: وجود فصائل مسلحة غير مدمجة، إلى جانب نفوذ دول إقليمية مثل تركيا وإيران، يزيد من تعقيد الوضع الأمني.
  • الفراغ السياسي والعسكري: غياب تسوية سياسية شاملة يعزز حالة عدم الاستقرار، مما يتيح الفرصة للجماعات المتطرفة لاستغلال الوضع.

وفي هذا السياق، أصدرت الخارجية الأمريكية تحذيرها الأخير، مشيرة إلى "معلومات موثوقة" حول هجمات محتملة، دون الكشف عن مصادر هذه المعلومات أو الجهات المشتبه بها.

التحذيرات كإجراء إداري روتيني

يؤكد فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأميركي، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن تحذيرات السفر الأمريكية هي إجراءات إدارية روتينية تهدف إلى حماية المواطنين الأمريكيين، وليست تعبيرًا عن موقف سياسي. ووفقًا لبلال، تقوم وزارة الخارجية الأمريكية، عبر مكتب الشؤون القنصلية، بمراقبة الظروف الأمنية العالمية بشكل مستمر، مستندة إلى مصادر متعددة مثل:

  • تقارير السفارات الأمريكية.
  • الوكالات الاستخباراتية.
  • المنظمات الدولية.

ويوضح بلال أن التحذيرات تُصنف ضمن نظام من أربعة مستويات، حيث يُعتبر المستوى الرابع الأكثر خطورة، وهو ما ينطبق على سوريا بسبب استمرار الصراعات والتهديدات الإرهابية. ويشير إلى أن هذه التحذيرات تُصدر لدول عديدة، وليس سوريا فقط، بهدف تزويد المواطنين بمعلومات دقيقة لاتخاذ قرارات سفر مستنيرة. على سبيل المثال، يمكن للمواطنين زيارة موقع الخارجية الأمريكية للاطلاع على تصنيف أي دولة.

دوافع سياسية وأمنية

على النقيض، يرى الكاتب والمحلل السياسي باسل المحمد، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن تكرار التحذيرات الأمريكية يحمل أبعادًا سياسية وأمنية أعمق. يربط المحمد هذه التحذيرات بثلاثة أهداف رئيسية:

  • يؤكد المحمد أن التحذيرات تهدف أساسًا إلى حماية المواطنين والمصالح الأمريكية، وليس السوريين. تأتي هذه التحذيرات في ظل مخاوف من عودة داعش لتنفيذ هجمات، مستغلًا الهشاشة الأمنية في سوريا.
  • ويرى المحمد أن واشنطن تستخدم التحذيرات كأداة للضغط على الإدارة السورية الجديدة، التي تقودها جماعة كانت تصنفها واشنطن سابقًا كـ"منظمة إرهابية"، وهذا الضغط يهدف إلى إبطاء تطبيع العلاقات مع دمشق، خاصة مع تحركات بعض الدول الأوروبية لتخفيف العقوبات.
  • كما يشير المحمد إلى أن التحذيرات تعكس سعي واشنطن لتأكيد دورها كضامن للأمن في سوريا، خاصة في ظل التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في البلاد. من خلال إبراز سوريا كدولة غير مستقرة، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز مكانتها كطرف أساسي في أي تسوية مستقبلية.

أدلة من مصادر موثوقة

وتدعم المعلومات المتوفرة من مصادر إعلامية وتقارير استخباراتية وجهة نظر المحمد حول الأبعاد السياسية والأمنية للتحذيرات. ففي كانون الثاني/يناير 2025، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن الولايات المتحدة شاركت معلومات استخباراتية سرية مع الإدارة السورية الجديدة لمواجهة تهديدات داعش، بما في ذلك إحباط هجوم على مزار ديني (مقام السيدة زينب) خارج دمشق. وهذا التعاون، رغم محدوديته، يعكس قلق واشنطن من عودة داعش، لكنه يتم في إطار حذر بسبب الخلافات السياسية مع الإدارة الجديدة.

كما أشارت تقارير إلى أن التحذيرات الأمريكية تزامنت مع تطورات ميدانية، مثل هجمات متفرقة في اللاذقية والساحل، وإحباط تفجيرات خططت لها داعش في منطقة السيدة زينب. وتكشف هذه الحوادث عن ثغرات أمنية واضحة، مما يعزز الرواية الأمريكية حول هشاشة الوضع الأمني في سوريا.

من جهة أخرى، يدعم موقف فاروق بلال تقرير من موقع الخارجية الأمريكية، الذي يوضح أن تحذيرات السفر تُصدر بناءً على تقييمات مستمرة للظروف الأمنية، وتُطبق على دول عديدة تعاني من اضطرابات، مثل اليمن وأفغانستان، وليس سوريا فقط.

التوازن بين الأمن والسياسة

تكشف التحذيرات الأمريكية عن توازن دقيق بين الاعتبارات الأمنية والسياسية، فمن ناحية، لا يمكن إنكار أن سوريا لا تزال بيئة غير آمنة، حيث تشير تقارير إلى استمرار نشاط داعش ووجود مجموعات مسلحة غير خاضعة لسيطرة الدولة، وهذا يبرر التحذيرات كإجراء احترازي لحماية المواطنين الأمريكيين، كما يؤكد بلال. لكن من ناحية أخرى، يبدو أن التحذيرات تخدم أهدافًا سياسية أوسع، كما يرى المحمد، إذ تتزامن التحذيرات مع تحركات دبلوماسية، مثل زيارات وفود غربية إلى دمشق ومباحثات حول تخفيف العقوبات، مشيرًا إلى أن واشنطن تسعى للحفاظ على ضغطها على الإدارة السورية الجديدة.

كما أن تصنيف سوريا كدولة غير آمنة قد يعرقل جهود إعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي، مما يعزز نفوذ واشنطن في المفاوضات المستقبلية.

التعاون الاستخباراتي

ويكشف التعاون الاستخباراتي المحدود مع الإدارة السورية الجديدة عن تناقض في السياسة الأمريكية، فبينما تصدر واشنطن تحذيرات علنية حول عدم الاستقرار، تشارك في الوقت ذاته معلومات سرية لمواجهة داعش، مما يعكس نهجًا براغماتيًا في التعامل مع التهديدات الأمنية.

وبالتالي، فإن هذا التعاون قد يكون مؤشرًا على إمكانية تطور العلاقات مع الإدارة الجديدة، لكنه يظل محدودًا بسبب الخلافات الأيديولوجية.

ووسط كل ذلك، فإن تكرار التحذيرات الأمريكية حول سوريا يعكس مزيجًا من الاعتبارات الأمنية والسياسية، فمن جهة، تُعتبر هذه التحذيرات، كما يرى فاروق بلال، إجراءات روتينية تهدف إلى حماية المواطنين الأمريكيين في ظل بيئة أمنية غير مستقرة، ومن جهة أخرى، يؤكد باسل المحمد أنها تخدم أهدافًا سياسية، مثل الضغط على الإدارة السورية الجديدة وتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة.

مشاركة المقال: