أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في التاسع والعشرين من تشرين الأول، عن اعتراف الجمهورية العربية السورية بجمهورية كوسوفو كدولة مستقلة ذات سيادة. وأكدت الوزارة أن هذا القرار يأتي في سياق السياسة السورية الهادفة إلى توسيع آفاق التعاون والانفتاح على مختلف دول العالم، وبما يخدم المصالح المشتركة للجميع.
أفاد بيان صادر عن الوزارة بأن إعلان الاعتراف بكوسوفو جرى خلال اجتماع ثلاثي استضافته العاصمة السعودية الرياض، وضم ممثلين عن كل من سوريا والسعودية وكوسوفو. وقد تناول الاجتماع بحث سبل تعزيز العلاقات وتعميق التفاهم المتبادل، بالإضافة إلى فتح مجالات جديدة للتعاون الثنائي بين الأطراف المعنية.
أوضحت الخارجية السورية أن هذا القرار يعكس "إيمان سوريا الراسخ بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحرصها الدائم على دعم مبادئ السلام والاستقرار في منطقة البلقان والعالم أجمع". كما شددت على أن هذه الخطوة تندرج ضمن سياسة "الانفتاح وتوسيع جسور التعاون" التي تنتهجها سوريا مع مختلف دول العالم.
عبرت الوزارة عن "تقديرها العميق للجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية ودورها البناء في تقريب وجهات النظر ودعم الحوار والتفاهم"، مشيرة إلى أن الرياض ساهمت بشكل فعال في تهيئة الظروف الملائمة لاتخاذ هذا القرار التاريخي. وأكدت دمشق تطلعها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع بريشتينا في أقرب وقت ممكن، وتطوير التعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
يذكر أن الرئاسة السورية كانت قد استخدمت في بياناتها الرسمية توصيف "رئيسة جمهورية كوسوفو" عند الإشارة إلى فيوسا عثماني، وذلك خلال لقائها بالرئيس أحمد الشرع في أنطاليا. وقد جرى هذا اللقاء برعاية تركية في الحادي عشر من نيسان الماضي، وشهد حضور العلمين السوري والكوسوفي، مما شكل أول تواصل رفيع المستوى بين الجانبين منذ إعلان كوسوفو استقلالها في عام 2008.
من جهتها، رحبت جمهورية كوسوفو باعتراف سوريا الرسمي بها، واصفة القرار بأنه "تاريخي"، وذلك في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية في بريشتينا. وأكدت فيوزا عثماني، رئيسة جمهورية كوسوفو، عبر حسابها في منصة "إكس"، أن كوسوفو "تعبر عن امتنانها العميق للجمهورية العربية السورية ورئيسها أحمد الشرع على دعمه للشعب الكوسوفي"، معتبرة أن القرار يستند إلى "الاحترام المتبادل لنضال الشعبين من أجل الحرية والسيادة والاستقلال".
كما أشادت كوسوفو بالدور الذي قام به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، معتبرة أن "قيادته أسهمت في إنجاح الاجتماع الثلاثي في الرياض، الذي توج باتفاق تاريخي بين الشعبين السوري والكوسوفي". وأشارت عثماني إلى التضحيات المماثلة التي قدمها كل من الشعبين السوري والكوسوفي من أجل نيل حريتهما.
الأسد رفض الاعتراف بكوسوفو
تجدر الإشارة إلى أن سوريا، خلال فترة حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، امتنعت عن الاعتراف باستقلال كوسوفو، متمسكة بموقفها الداعم لوحدة الأراضي الصربية، ومعارضةً لأي تقسيمات على أسس دينية أو قومية، سواء في منطقة البلقان أو في منطقة الشرق الأوسط. وكان الأسد المخلوع قد أكد، خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الصربي آنذاك، فوك يريميتش، في دمشق عام 2009، أن بلاده "ترفض الاعتراف بكوسوفو" وتدعو إلى حلٍّ سياسي للأزمة في المنطقة. كما دعمت سوريا الجهود الدبلوماسية الصربية الرامية إلى الحفاظ على سيادة بلغراد ووحدة أراضيها، في وقت كانت فيه سوريا تترأس منظمة المؤتمر الإسلامي وتسعى لمنع تمرير قرار كانت السعودية تسعى من خلاله لحث الدول الإسلامية على الاعتراف بكوسوفو.
وبحسب محللين كوسوفيين، ارتبط هذا التوجه السوري بتحالفات سياسية وثيقة مع روسيا وصربيا، وانسجم مع رؤية النظام السوري الرافضة لمبدأ الانفصال، خشية انعكاسه على القضايا السورية المشابهة، مثل المسألة الكردية.
لماذا انفصلت كوسوفو؟
ضُمّت كوسوفو إلى مملكة يوغسلافيا بعد الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، لتخضع منذ ذلك الحين لسيطرة الصرب، رغم مطالبة سكانها الألبان بالانضمام إلى ألبانيا، باعتبارهم جزءًا تاريخيًا منها. ومنذ تلك المرحلة، واجه الألبان سياسات تمييزية اتبعتها السلطات اليوغسلافية، شملت ترحيل الآلاف منهم، ومنع تدريس اللغة الألبانية في المدارس، فيما بقي الصرب يسيطرون على المنطقة رغم كونهم أقلية.
بدأت التوترات بين الألبان والصرب مطلع القرن العشرين، وتفاقمت خلال حرب البلقان الأولى بين عامي 1914 و1918، ثم أثناء الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1945. وفي أواخر التسعينيات، شهدت كوسوفو واحدة من أكثر الحروب دموية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. اندلعت حرب كوسوفو (أو "كوسوفا" كما يسميها الألبان) بين "جيش تحرير كوسوفا" الألباني المدعوم من "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، وبين الحكومة اليوغسلافية والقوات الصربية. بدأت المعارك في شباط 1998 واستمرت حتى تموز 1999، بعد تصاعد هجمات المقاتلين الألبان المؤيدين للاستقلال، في ظل محاولات القوات اليوغسلافية فرض سيطرتها على الإقليم. وتُهمت تلك القوات بارتكاب مجازر بحق المدنيين الألبان، ما تسبب بأزمة إنسانية واسعة وارتفاع أعداد اللاجئين نحو دول أوروبا.
طالبت "مجموعة الاتصال"، المكوّنة من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الصربية واليوغسلافية من كوسوفو، والسماح بعودة اللاجئين وإدخال مراقبين دوليين دون قيود. ورغم موافقة الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش على هذه المطالب، فإنه لم يطبقها فعليًا، ما دفع "جيش تحرير كوسوفا" لإعادة تنظيم صفوفه واستئناف الهجمات.
جاء رد القوات اليوغسلافية والصربية عنيفًا، وبدأت حملة تطهير عرقي شملت القرى الألبانية وأودت بحياة آلاف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ. وأدان مجلس الأمن الدولي الاستخدام المفرط للقوة، وفرض حظرًا على توريد السلاح، لكن العمليات العسكرية استمرت. وفي شباط 1999، استضافت فرنسا مفاوضات سلام توقفت بعد فشلها في الشهر التالي، لتبدأ قوات "الناتو" يوم 24 من آذار عملية "القوة المتحالفة"، المعروفة أمريكيًا باسم "عملية سندان نوبل"، التي استهدفت مواقع عسكرية صربية لإجبار بلغراد على الانسحاب من كوسوفو ووقف المجازر ضد الألبان. وردت القوات اليوغسلافية بطرد عشرات الآلاف من الألبان، لتشهد المنطقة موجة نزوح جماعي باتجاه ألبانيا ومقدونيا والجبل الأسود.
استمرت حملة القصف 78 يومًا، أي نحو 11 أسبوعًا، ووصلت إلى العاصمة بلغراد، مسببة دمارًا واسعًا في البنية التحتية، ما أجبر ميلوسيفيتش على القبول بالانسحاب مقابل وقف القصف. وفي حزيران من العام نفسه، وُقعت معاهدة سلام "كومانوفو" بين يوغسلافيا وحلف "الناتو"، نصت على استبدال القوات الصربية بقوات دولية، لتنسحب القوات اليوغسلافية من كوسوفو، ويعود نحو مليون لاجئ ألباني وقرابة 500 ألف نازح. قدرت الخسائر البشرية بنحو 13 ألف قتيل، بينهم 11 ألف ألباني، بينما قُتل نحو 500 مدني من الصرب والألبان نتيجة قصف "الناتو" بحسب منظمات حقوقية. كما أدت الحرب إلى تهجير قرابة مليون شخص.
عقب انتهاء الحرب، انسحب معظم الصرب من كوسوفو، ونشرت فيها قوات حفظ سلام دولية، وخضعت لإدارة الأمم المتحدة، ومع ذلك استمرت التوترات وأعمال العنف بين الجانبين لسنوات. وفي شباط 2008، أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا، وهو ما اعترفت به 110 دول، من بينها الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، فيما رفضت صربيا وروسيا الاعتراف بها.