الأحد, 12 أكتوبر 2025 06:10 PM

تراجع النفوذ الفرنسي في سوريا: الهيمنة الأمريكية تحد من دور باريس

تراجع النفوذ الفرنسي في سوريا: الهيمنة الأمريكية تحد من دور باريس

منذ سقوط نظام الأسد، سعت باريس لتعزيز نفوذها في الشأن السوري سياسيًا واقتصاديًا، وزيادة التنسيق في ملفات عديدة، حتى أصبحت تلعب دورًا فاعلًا يتجاوز حماية الأقليات، حسب تقارير صحفية. وكانت فرنسا أول دولة أوروبية تدعم "الإدارة الذاتية" و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، واستضافت لقاءات مع مسؤولين أكراد في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، واستمر ذلك في عهد الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون.

تشير تقارير إلى أن الدور الفرنسي برز في ملف الجنوب السوري بعد أحداث السويداء في تموز الماضي، وسمح لوزير الخارجية، أسعد الشيباني، بالتواصل مع الجانب الإسرائيلي في باريس. وتلعب باريس دورًا في شمال شرقي سوريا وفي الجنوب، وسط حديث عن دور "خفي" في الساحل السوري.

يرى سلام الكواكبي، مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في باريس، أن الدور الفرنسي الفعال في سوريا محدود بسبب هيمنة الدور الأمريكي. ويستبعد وجود دور خفي لفرنسا في الساحل السوري، مؤكدًا أن باريس تعرف حدود قدرتها على التأثير في سوريا، وتحاول أن تكون إيجابية مع الحكم الجديد في دمشق، وهو ما تجسد في دعواتها للرئيس أحمد الشرع ووزير خارجيته لزيارة باريس، متوقعًا تجاوبًا مماثلًا من دمشق.

يشير الكواكبي إلى أن علاقات فرنسا التاريخية والثقافية والاجتماعية في سوريا، وطموحاتها السياسية والاقتصادية، تفرض على أي قيادة سورية أن تكون حذرة في التعامل معها، وأن تستفيد منها اقتصاديًا وقانونيًا وإداريًا، خاصةً لتشابه النظامين الإداريين والقانونيين في البلدين.

ويضيف الكواكبي أن السياسة الخارجية الفرنسية لا تزال تستند إلى مبادئ الجنرال ديغول، مع تغييرات طفيفة، وعلى من يتعامل معها أن يفهم ذلك.

مجالات التركيز الفرنسي

تركز باريس في سوريا على حماية حقوق الأقليات وحقوق الإنسان، بحسب الكواكبي. ويضيف أن فرنسا لا تشتكي من اللاجئين السوريين مثل ألمانيا، نظرًا لقلة أعدادهم، ولا تبني علاقتها مع دمشق على ملف مواطنيها المنتمين لتنظيم "الدولة" في معتقلات "قسد"، لقلة أعدادهم أيضًا.

تهتم فرنسا بملف إعادة الإعمار للحصول على حصة من "الكعكة السورية"، ولديها بُعد آخر يتعلق بحماية الأقليات ودمجهم في المشهد السياسي لضمان المساواة، وهو ما وعدت به السلطة الجديدة في سوريا، إلا أن بعض الممارسات اليومية تدل على خلاف ذلك، مما يقلق المراقبين الغربيين، وخاصة الفرنسيين.

كما أن غياب المحاسبة عن الجرائم والانتهاكات في الساحل السوري وفي السويداء، يزيد من شكوك هذه الأوساط حول جدّية أي حديث عن إصلاح أو عدالة انتقالية، ويُضعف الثقة بقدرة السلطة الجديدة على بناء دولة قانون ومواطنة. والتعرض للإنسان بغير وجه حق، يثير قلق جميع مراقبي حقوق الإنسان في الملف السوري، بحسب الكواكبي.

تراجع بسبب أمريكا

يرى إيلي حاتم، المحامي في محكمة باريس ومحكمة الجنايات الدولية، ومستشار مؤسس حزب "الجبهة الوطنية الفرنسية"، أنه من الصعب على فرنسا لعب دور في سوريا حاليًا، بسبب مساعي الولايات المتحدة لإبعادها من الشرق الأوسط والعالم. ويشير إلى أن الرئيس ماكرون حاول إعادة إحياء الدور الفرنسي على الساحة الدولية، امتدادًا لسياسة الجنرال ديغول، ولكنه ووجه بمعارضة من الولايات المتحدة وحلفائها.

ويلفت حاتم إلى تراجع الدور الفرنسي في لبنان، مؤكدًا أنها فقدت تأثيرها في سوريا بالطريقة ذاتها. وتأتي هذه الضغوطات من الداخل أو بوساطة قوى إقليمية تدفع من قبل العالم "الأنجلوسكسوني" للحد من هذا الدور.

بالنسبة للأكراد، يوضح حاتم أن فرنسا كانت تدعمهم في محاربة الإسلام السياسي، سواء "القاعدة" أو تنظيم "الدولة"، اعتقادًا بأن هذه المنظمات تشكل خطرًا على سوريا والمنطقة وأوروبا. ويرى أن الصورة اتضحت اليوم، وأن كلتا المنظمتين هما ابتكار من الأجهزة الأمريكية والصهيونية لخلق الفتنة في الشرق الأوسط، وإثارة الرأي العام في أوروبا ضد المسلمين.

ويضيف أن منفذي العمليات الإرهابية في فرنسا هم من أصول عربية مغاربية، بينما هناك فرنسيون التحقوا بتنظيم "الدولة" وشاركوا في المجازر في سوريا، ولكنهم أعفوا من تنفيذ عمليات إرهابية في فرنسا. كما أن "الموساد" الإسرائيلي والأجهزة الأمريكية استعملت أفرادًا في منظمات الإسلام السياسي.

ويؤكد حاتم أن الدور الفرنسي اليوم يتراجع، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في فرنسا، مما يجعل من الصعب عليها التركيز على السياسة الخارجية. وعلى الرغم من إرادة الرئيس ماكرون الاعتماد على عمله في السياسة الخارجية، إلا أنه يواجه أزمة داخلية قد تدفع البلاد إلى حرب أهلية.

بانتظار التحولات في باريس

يرى إيلي حاتم أنه يجب انتظار ما سيحدث في الداخل الفرنسي وأن تثبت المؤسسات الفرنسية نفسها بحكومة قوية مع قادة أقوياء، يخرجون من سيطرة الاتحاد الأوروبي الذي تطغى عليه الولايات المتحدة الأمريكية، لإعادة استقلالية السياسة الخارجية الفرنسية لخدمة المصالح المشتركة بين فرنسا والدول التي لديها علاقات طبيعية وتاريخية معها.

ويقول إن التحليلات السياسية عن الدور الفرنسي في سوريا ازدادت بعد ظهور مناف طلاس من باريس، واعتبار أن ثمة ترتيبات دولية تُحضر وبديلًا محتملًا، أو شريكًا سياسيًا، علمًا أنها ليست المرة الأولى التي يروّج فيها اسم العميد المنشق عن نظام الأسد. ويرى محللون أن ظهور طلاس جاء من بوابة الحرص الفرنسي على تقديم رموز مقبولة نسبيًا بين جميع الأطراف لتلعب دورًا استشاريًا أو محوريًا إذا اقتضى التوافق، وإن كانت لا تفرضه بشكل رسمي كقائد بديل، لكنها توفر له منبرًا للنقاش حول إصلاح المؤسسات السورية والحوكمة، وتعطيه هامشًا واتصالًا محميًا في الدوائر الغربية، مما يرسل رسالة أنها منفتحة على سيناريوهات تتجاوز التحالفات التقليدية.

فيما يرى آخرون أن ذلك يأتي ضمن النهج الفرنسي لإبقاء المنابر مفتوحة أمام شخصيات سورية مختلفة، دون أن يعني ذلك وجود خطة فرنسية واضحة أو رهانات استراتيجية على طلاس، وعليه يبقى الدور الفرنسي تكميليًا، يتحرك في هوامش محددة ويُمنح غطاء سياسيًا محدودًا، دون أن يتجاوز حدود النفوذ الأمريكي في سوريا بخصوص أي مسار.

مشاركة المقال: