الخميس, 18 سبتمبر 2025 08:57 PM

تصدع التحالف الغربي: هل تتجه أوروبا نحو استعادة علاقاتها مع روسيا في ظل الخلافات مع أمريكا؟

تصدع التحالف الغربي: هل تتجه أوروبا نحو استعادة علاقاتها مع روسيا في ظل الخلافات مع أمريكا؟

دمشق – م. ميشال كلاغاصي

من المسلّم به أن التحالفات الدولية والعلاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف بين الدول تتسم بالتغيير، ولا يمكن اعتبارها أبدية. غالبًا ما تتشكل هذه التحالفات وتتفكك بناءً على المصالح المشتركة للدول، حيث تخضع لتغير الأولويات السياسية والاستراتيجية، وموازين القوى، مما قد يؤدي إلى ظهور تحالفات جديدة لتحقيق الأهداف.

شهد العالم انهيار العديد من الأحلاف القديمة مثل حلف وارسو وحلف بغداد، بينما صمدت أخرى مثل حلف شمال الأطلسي. وفي الوقت الحالي، تظهر تحالفات جديدة لا تزال قيد التشكل، مع بداية عصر المحيط الهادئ وانتقال مركز العالم إلى شرق أوراسيا. يتزامن ذلك مع اهتزازات جيوسياسية كبيرة تشهدها "الشراكة المتوحشة" بين دول الغرب الأوروبي والولايات المتحدة، والتي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، مما قد يضع نهاية لحلف الناتو، ويدفع الطرفين للبحث عن شكل جديد للعلاقات بينهما. في هذا الوقت، تسعى بعض الدول للحفاظ على النظام العالمي القديم أحادي القطبية، بينما تجتهد أخرى للمساهمة في ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

بالنسبة لدول الغرب الأوروبي، تبين مع مرور الوقت أن انخراطها في حلف الناتو لم يحقق طموحاتها وأهدافها، حيث فقدت سيادتها واستقلالية قرارها منذ إعلان خطة مارشال، ولم يبرر اندفاعها نحو العولمة. ورغم مضاعفة أرباحها التي كسبتها في المرحلة الاستعمارية، إلا أنها لا تزال تتمسك بدعم الاستعمار الجديد بكافة أشكاله، والقبول بالهيمنة الأمريكية و"عربدة" بعض الدول الوظيفية والكيانات المارقة، وتحولت إلى قارة عجوز مهمشة تابعة، نتيجة لسياسة قادتها الذين ساروا في ركب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ليجدوا أنفسهم أمام عالم جديد مركزه حوض المحيط الهادئ، حيث يصعب القبول بالهيمنة الغربية. هذا الأمر جعلها تستوعب عمق تراجعها وخطورة الطريق الذي سارت عليه، وأصبح استرجاع هويتها هاجسًا وضجيجًا يجب عليها كتمه، قبل أن تُترجمه شعوبها غضبًا واحتجاجًا وفوضى، كما يحدث حاليًا في فرنسا.

مع تفاقم الخلافات وتباعد الرؤى والمصالح الأوروبية مع الولايات المتحدة، والشعور بالحاجة الماسة للبحث عن الذات والهوية، والرغبة بتغيير المسار أو فصله عن الشريك المهيمن، وسط محاولات ماكرون تحميل حلف الناتو مسؤولية الصراع في أوكرانيا، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه عاجزًا وبلا قدرات لوجستية وموارد طبيعية هامة تكفي شعوبه وملايين اللاجئين. هذا الأمر دفع الاتحاد ودوله للتفكير الجدي بالمصير القادم، وفي جدوى الاستمرار بدعم واشنطن والنظام العالمي القديم، وهو يراقب قمة منظمة شنغهاي للتعاون وتأكيد الرئيس بوتين على ضرورة "زوال النظام أحادي القطب"، بالاتفاق والتوافق التام مع زعماء الهند والصين وكوريا الشمالية وغيرهم.

في وقت لا تعلم فيه أوروبا حقيقة التفاهمات في قمة ألاسكا، وحقيقة التوجه الأمريكي الجديد نحو التمسك أو التخلي عن النظام القديم وتحالفاته السابقة، أدركت شعوبها وغالبية أحزابها ونخبها فداحة انسياق النخب الفاسدة والقادة الأوروبيين "الأشرار" وأصحاب المصالح الشخصية والمرائين وقصيري النظر. بدأ الأوروبيون عمومًا يدركون فظاعة الدور الهدام لبعض القادة والمسؤولين كرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وسعيها وراء السلطة والمصالح الشخصية، وباتوا يرون في إبعادها ضرورة ماسة، رغم الدعم الذي تتلقاه من الفرنسي ماكرون الذي بدوره بات يقف على أعتاب إسقاطه، عبر ترشيحها لرئاسة ألمانيا عام 2027، على غرار إبعاد وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، عبر توليها منصب الأمين العام للأمم المتحدة، إذ يعتبر كلا المنصبين شرفيين لا أكثر.

بالرغم من صعوبة الأوضاع التي تعيشها أوروبا، وأثمان تدخلها السلبي بالصراع في أوكرانيا، وجهلها بتفاهمات قمة ألاسكا، سعت إلى عرقلة الحل، ودفع زيلينسكي لرفض ما يُعرض عليه روسيًا، ورفض مقترحات الرئيس ترامب التي قد تُفضي برأيه في نهاية المطاف إلى السلام وإعادة أوكرانيا إلى التوازن الأوروبي، بغض النظر عن رأي زيلينسكي ورغبته بمواصلة الحرب أم لا. عارضت أوروبا طروحات واشنطن، وتمسكت بالضمانات الأمنية، وبإرسال قوات أوروبية لحفظ السلام – إن تحقق-، وبدت وكأنها تشكك بحتمية هزيمة أوكرانيا، واندفعت للرهان على مواقف "تحالف الراغبين"، بما يعكس خياراتها المنفصلة عن الواقع، في ظل انقسام عالمي وصراع كبير يستحيل في ظروفه الحالية أن يضمن التوازنات العالمية بما تشتهيه أوروبا منفردة، وفوزها بالانتقال السلس نحو "مستقبل مشرق" يحلم به كل من أضاعوا هيبتها وبحرمانها الحكمة والقوة لفرض أحلامها. في هذا الوقت، تتحسس مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أن: "الصين وروسيا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا، يسعون إلى تغيير النظام العالمي".

إن قرار الولايات المتحدة الخروج من الأزمة الأوكرانية، وبتحويل دفة مسؤولية الحل النهائي إلى الأوروبيين، يؤكد على الشرخ الكبير في تحالفهما السابق، وخروجًا عن أسسه التي اعتمدت على قيام الولايات المتحدة بدور شرطي العالم، وحماية أمن أوروبا، مقابل تعويضها ودعم خزائنها وفتح الأسواق أمام بضائعها. لكن أوروبا اليوم أصبحت تعاني ولم تعد تمتلك من الموارد ما يؤهلها للاستمرار بدور الشريك الأصغر الذي يفترض به تعويض الشريك الأكبر، وبات عليها قبول عقوبة التخلي الأمريكي عنها أمام إصرارها على محاربة روسيا.

في ظل تردي أوضاعها الاقتصادية بسبب العقوبات والرسوم الأمريكية، وتراجع نفوذها حول العالم، يبدو أنه من الصعب على الاتحاد الأوروبي استعادة انتعاشه الاقتصادي، حتى لو نجح في الاتفاق مع روسيا حول كيفية الخروج من الأزمة الأوكرانية دون خسائر فادحة، وستبقى المواجهة الجيوسياسية قائمة ومستمرة، مع عزم الولايات المتحدة شن حرب اقتصادية على الصين، والذي ستحتاج فيه الدعم الروسي والأوروبي لمعاقبة الصين، الأمر الذي سيضاعف تعقيدات موقفها، وسيضعها أمام خيارين، أولهما التوقف عن دعم أوكرانيا، والبحث عن استعادة علاقاتها مع روسيا بعيدًا عن أمريكا، والثاني عبر طلاق أوروبي – أمريكي، والاتجاه نحو دعم وتعزيز الخلافات الروسية الأمريكية، ومضاعفة تأثير المعارضة داخل الولايات المتحدة، للمساعدة على هزيمة ترامب والترامبيون في الانتخابات النصفية القادمة، خصوصًا وأنهم يعتقدون بمسؤوليته في تدمير أوروبا وصعوبة مأزقها الحالي، وبأنه من حقها السعي لتحقيق مصالحها.

تأخرت أوروبا وتأذت أنظمتها وشعوبها، نتيجة عدم إنصاتها لأصوات عقلائها، وسارت وراء منافقيها ونخبها الفاسدة، وأصبحت اليوم بحاجة إلى ما يشبه المعجزة للخروج من أزماتها الداخلية على غرار ما يحصل حاليًا في فرنسا "الجريحة" بآثام قادتها وعلى رأسهم إيمانويل ماكرون، وسط الخشية من انتشار العدوى وتمددها على كامل مساحة أوروبا، التي ارتكبت العديد من الأخطاء والخطايا، وباعتقادها أن أمريكا هي العالم، وعلى الأوروبيين الالتزام بدعم نظامها الأحادي وبتحالفهم الأبدي معها.

مشاركة المقال: