لا يزال الغموض يحيط ببدء تدفق الغاز الأذربيجاني إلى محافظة حلب، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذا الاتفاق وأهميته. هل يمثل هذا الاتفاق إنجازاً حقيقياً للسلطة الحالية؟ وهل تعتبر كمية 3.4 مليون متر مكعب يومياً من الغاز كمية كبيرة تستحق الاحتفاء، أم أنها كمية متواضعة؟
تتضح أهمية السؤال الأخير عند مقارنة هذه الكمية بإنتاج سوريا من الغاز قبل عام 2011، والذي كان يتجاوز 22 مليون متر مكعب يومياً، بالإضافة إلى استيراد حوالي 6 مليون متر مكعب يومياً من مصر عبر خط الغاز العربي. ومع ذلك، كان المسؤولون يتحدثون عن نقص يقدر بنحو 5 ملايين متر مكعب يومياً لتلبية احتياجات البلاد.
أما بالنسبة للسؤال الأول، فإن اتفاق الغاز مع أذربيجان ما هو إلا إحياء لاتفاق قديم تم توقيعه في عام 2010 بين وزير النفط في حكومة النظام السوري السابق، سفيان العلاو، ووزير الطاقة الأذري. كان الاتفاق يقضي بتزويد أذربيجان لسوريا بكمية 1.5 مليار متر مكعب سنوياً، أي حوالي 3.4 مليون متر مكعب يومياً، عبر خط الغاز التركي، وهي نفس الكمية التي بدأ ضخها يوم السبت.
تعود جذور هذا الاتفاق إلى زيارة بشار الأسد، رئيس النظام السابق، إلى أذربيجان في عام 2009، حيث تم الاتفاق بين وزارتي النفط السورية والطاقة الأذرية على بدء مفاوضات لإبرام اتفاق طويل الأمد لبيع وشراء الغاز الطبيعي بكمية تتراوح بين مليار ومليار ونصف متر مكعب سنوياً. كما اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في مجال نقل الغاز الأذري عبر شبكة الغاز السورية إلى مستهلكين آخرين في الدول العربية.
لم يتم تنفيذ الاتفاق في حينه بسبب عدم جاهزية خط الغاز في الجانب السوري، الذي كان يحتاج إلى حوالي 40 كيلومتراً للوصول إلى مدينة كلس التركية. بالإضافة إلى ذلك، أثيرت مخاوف داخل الحكومة السورية من أن تستخدم تركيا ورقة الغاز الأذري للضغط السياسي على سوريا ودول عربية أخرى، مستشهدين بما فعلته تركيا باليونان عام 2007 عندما أوقفت إمدادات الغاز عنها عبر خط تابو.
ويرى المستشار القانوني والاقتصادي السوري، الدكتور إيهاب أبو الشامات، أن مشروع تزويد حلب بالغاز بتمويل قطري أذربيجاني مشترك، يخفي تحركاً جيوسياسياً معقداً. ويوضح أبو الشامات أن الاتفاق يقضي بتوريد تركيا نحو 1.2 مليون متر مكعب يومياً من الغاز إلى المنطقة الصناعية في الشيخ نجار بحلب، على مدى ثلاث سنوات قابلة للتمديد. يتم تقسيم التمويل بين الجانب القطري (دعم لوجستي وتمويلي) وشركة Socar الأذربيجانية التي توفر الغاز المصدر عبر شبكة TANAP.
ويضيف أن الغاز لن يباع مباشرة لسوريا، بل سيقدم كجزء من آلية دعم صناعي لمناطق الإنتاج في الشمال السوري، عبر شركات تشغيل محلية مرخصة من الجانب السوري، وضمن رقابة مشتركة بين الرئاسة السورية والمؤسسة العامة للنفط.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تركيا تسعى لتكون مركزاً إقليمياً لتوزيع الغاز، مستفيدة من موقعها بين الشرق والغرب وارتباطها بشبكات الغاز الروسية والأذربيجانية والإسرائيلية سابقاً. ويؤكد أن طموح أنقرة لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يشمل النفوذ السياسي في الدول التي تمر بها أنابيبها، مشيراً إلى أن خطوط الغاز التركية ليست محايدة سياسياً، بل تستخدم كأداة للتأثير الناعم والضغط الصلب.
ويرى أبو الشامات أن الغاز التركي قد يبدو فرصة واعدة لإحياء عجلة الإنتاج في حلب، لكنه ليس مشروعاً بريئاً تماماً، مؤكداً أن القيادة السورية تتعامل مع هذا الأمر بحذر وترفض أن تكون مثل الدول التي وقعت ثم دفعت الثمن.