الأربعاء, 4 يونيو 2025 08:13 AM

تلاعب بالوعي: كيف يستغل "المتنبئون" قلق السوريين في زمن الحرب؟

تلاعب بالوعي: كيف يستغل "المتنبئون" قلق السوريين في زمن الحرب؟

عنب بلدي – كريستينا الشماس

تحول متنبئون ينشطون في إطلاق التوقعات الفلكية في السنوات الأخيرة (سنوات الحرب) إلى ظاهرة مؤثرة في المجتمع السوري، تجاوزت مرحلة الترفيه أو الفضول إلى التأثير الحقيقي في حياة الناس وتشكيل مواقفهم حيال الأحداث، وهو ما اعتبره متخصصون دلالة على فجوة في الوعي المجتمعي.

وحازت توقعات المتنبئين عن مستقبل سوريا لعدة سنوات الحصة الكبرى خاصة في المناسبات المرتبطة ببداية الأعوام الجديدة، إذ تتسابق وسائل الإعلام إلى استضافتهم وعرض "توقعاتهم" المستقبلية.

وعززت الحاجة المجتمعية لدى السوريين في ظل واقع مضطرب سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، اللجوء لسماع توقعاتهم والبحث عن كل جديد في محاولة لفهم المجهول.

مروة عبد السلام، ربة منزل تعيش في دمشق، قالت لعنب بلدي، إنها تتابع توقعات المتنبئين بشكل مستمر، بعد أن تحققت تنبؤاتهم أكثر من مرة، ما جعلها تتابع كل جديد منهم، كحالة من الاطمئنان، على حد تعبيرها.

الباحثة الاجتماعية والنفسية هبة كمال العرنوس، تحدثت لعنب بلدي، أن ظاهرة المتنبئين ليست مجرد حالة ترفيهية، بل هي مرآة لواقع مجتمعي تعكس فجوة في الوعي الجماعي.

ظاهرة “التنبؤات الوهمية”

أوضحت العرنوس أن من منظور علم النفس، يمكن تفسير انتشار هذه الظاهرة كنتيجة طبيعية لحالة اللايقين الجماعي والقلق الوجودي المستمر الذي يعيشه السوريون منذ سنوات.

وفي مثل هذه الظروف، تظهر الحاجة النفسية لما يعرف بـ”اليقين البديل”، أي الاعتماد على رموز يعتقد الناس أن لديهم معرفة بالغيب، في محاولة لإعادة السيطرة على مستقبل يشعرون أنهم فقدوا التحكم به.

أما من حيث المضمون، فإن ما يقدمه المتنبئون لا يستند إلى أي قاعدة علمية أو منهجية نفسية أو فلكية دقيقة، بل ينتمي إلى ما يعرف في علم النفس بـ”الاعتقادات الزائفة”، وهو مصطلح يتم عبره التلاعب بالإيحاءات واللغة العامة لخلق وهم المعرفة لدى المتلقي، لذا فإن ممارساتهم لا تندرج ضمن أي حقل علمي معترف به، سواء كان التنجيم أو الفلك، بل هي حالة رمزية واجتماعية وظيفتها تعويض الفراغ المعرفي والنفسي لدى الجمهور، وهو ما يسمى بظاهرة “التنبؤات الوهمية”، بحسب العرنوس.

لماذا يتم تصديقهم

ترى العرنوس، من المنظور النفسي والاجتماعي، أنه يمكن فهم تصاعد ظاهرة المتنبئين في سوريا كنتاج لتقاطع عوامل متعددة، أبرزها الصدمة الجماعية وعدم اليقين المزمن عند المجتمع السوري.

فمنذ 14 عامًا يعيش السوريون حالة من الترقب والخوف المستمر من المستقبل، وفي ظل هذه الظروف، يبحث الأفراد عن أي شكل من “الطمأنينة المفقودة” أو أدوات لفهم المستقبل، حتى لو كانت غير عقلانية أو غير مثبتة علميًا.

تحول المتنبئون في هذه الحالة إلى ما يمكن تسميته بـ”بديل رمزي” للمؤسسات الغائبة أو العاجزة عن تقديم إجابات واضحة.

تأثيراتهم على المجتمع

أفادت الباحثة الاجتماعية والنفسية هبة كمال العرنوس، أن توقعات المتنبئين أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على شريحة واسعة من المجتمع السوري.

ويشكل الشباب والنساء الفئة الأكثر متابعة لتوقعات المتنبئين، وخاصة الفئات التي تعاني من عدم استقرار عاطفي أو اقتصادي أو اجتماعي.

كما أن الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات (فقد، نزوح، اعتقال، فقر حاد) يكونون أكثر قابلية للإيمان بهذه التوقعات.

ومن خلال الملاحظة والتقييمات النفسية، يمكن تحديد أبرز ملامح تأثير المتنبئين على المجتمع السوري، في عدة مستويات:

  • الطمأنينة المؤقتة: بعض المتابعين يشعرون بالراحة النفسية المؤقتة عند سماع “أخبار جيدة” من المتنبئ.
  • الإحباط والانهيار: حين لا تتحقق التوقعات الإيجابية، يدخل بعض الأشخاص في حالة من الإحباط الشديد وربما الاكتئاب.
  • التواكل وفقدان الواقعية: بعض الناس يتوقفون عن اتخاذ قرارات مدروسة في حياتهم، معتمدين على ما قاله المتنبئ.

مؤشرات خطيرة

أشارت العرنوس إلى أن هناك شريحة من المجتمع تبني قراراتها المصيرية على ما يقوله المتنبئ، مثل تأجيل الهجرة، أو الدخول في مشروع، أو حتى الارتباط العاطفي.

وهذا الأمر يشير إلى مستوى عالٍ من الاعتمادية النفسية والهشاشة المعرفية، وهما من المؤشرات الخطيرة في المجتمعات المتأزمة.

ونوهت العرنوس إلى أن المتابعة المستمرة لتوقعات المتنبئين قد تؤدي إلى نتائج نفسية سلبية حادة كتقويض مهارات اتخاذ القرار الواقعي، وإضعاف التفكير النقدي والتحليلي، وزيادة الانفصال عن الواقع، خاصة في فترات الأزمات المتلاحقة.

حلول مقترحة

الباحثة الاجتماعية والنفسية هبة كمال العرنوس، تقترح للتخفيف من وقع توقعات المتنبئين على المجتمع السوري:

  • تعزيز الوعي النفسي والإعلامي: عبر تنظيم حملات إعلامية ومجتمعية تشرح الفروق بين العلم والخرافة، وتظهر كيف يتلاعب المتنبئون بعواطف الناس
  • إدماج التربية النفسية في المدارس: تعليم الأجيال مفاهيم التفكير النقدي والمنطقي منذ سن مبكرة يساعد على تحصينهم من الخرافات لاحقًا.
  • دعم الصحة النفسية المجتمعية: وجود خدمات دعم نفسي فعّالة ومجانية يجعل الأفراد أقل عرضة للبحث عن “أمل زائف”.
  • المحاسبة الإعلامية: يجب أن يُفرض على وسائل الإعلام احترام المعايير الأخلاقية بعدم الترويج للمتنبئين، خصوصًا في الفترات الحساسة.
مشاركة المقال: