الخميس, 18 سبتمبر 2025 01:41 AM

جحا: بين الفكاهة والحكمة.. شخصية أثرت التراث العربي

جحا: بين الفكاهة والحكمة.. شخصية أثرت التراث العربي

تزخر كتب الفكاهة الأدبية العربية بقصص الظرفاء والمضحكين والحمقى، وتتناول شخصيات فكاهية بارزة في التراث العربي، مثل جحا وأبو علقمة وأبو دلامة وأشعب وربيعة البكّاء وعجل بن لجيم وجامع الصيدلاني وأزهر الحمار وابن الجصاص. هذه الشخصيات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمق الثقافي والوجداني والعقلي والروحي للشعب العربي وتراثه الغني.

تعتبر الفكاهة ظاهرة فنية حظيت باهتمام كبير من الأدباء والنقاد، الذين أدركوا تأثيرها الفاعل على المتلقي، وما تبعثه من متعة وسرور، بالإضافة إلى دورها في التهذيب والإصلاح إلى جانب الأدب الجاد. لقد حفل تراثنا العربي بالعديد من المؤلفات النثرية والمصنفات الأدبية الفكاهية بمختلف مظاهرها وأغراضها، كالمزاح والوعظ والدعابة والتهكم والهزل والسخرية والطُرَف والمُلح والحِكَم، وذلك من خلال خبر أو نادرة أو حكاية فكاهية خرافية أو واقعية أو دينية، بأسلوب بسيط يتسم بالإيجاز والمفارقة والمبالغة.

ارتبطت الفكاهة بالإنسان ارتباطاً وثيقاً، وأظهرت حاجته إليها في مختلف المجتمعات والعصور، لما تتضمنه من قيم ورموز وآثار تسهم في تعزيز الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية والإرشادية والتقويمية في المجتمع. ولعل أبرز الشخصيات الفكاهية التي رسخت في أذهان الناس هي شخصية "جحا"، حتى أصبح لكل شعب "جحا" الخاص به، الذي يتناسب مع طبيعته وثقافته وتنوع مشاربه وفئاته وظروفه الاجتماعية.

في الأدب العربي، "جحا" هو شخصية تراثية حقيقية شهيرة، عُرفت بالذكاء المتخفي والذكاء الظاهر، وأصبحت رمزاً للسخرية والفكاهة والحكمة العميقة في مواجهة القضايا المعقدة. عاش جحا في العصر الأموي، وانتشرت قصصه في الثقافات الإسلامية، وتداخلت مع حكايات الآخرين، لتزداد مع مرور الوقت وتصبح شخصية شعبية تمثل الفكاهة والحكمة العميقة والتعبير عن آراء المجتمع. صُنفت قصصه المنتشرة ضمن الأدب الشعبي وعُرفت بـ"النوادر الجحوية"، وظهرت شخصيته في نصوص أدبية مختلفة مثل كتب ابن الجوزي والأصفهاني وابن النديم والجاحظ وابن قتيبة وابن عبد ربه وغيرهم. أصبح الناس ينسبون إليه كل دعابة وطرفة، ما أدى إلى تداخل نوادره مع نوادر الآخرين وصعوبة تمييز الأصل من التقليد.

ومهما يكن، فإن "جحا" الذكي البارع الذي يدعي الحماقة وحماره لم تتغيّر شخصيته، فهو "أبو الغصن دُجين الفزاري"، وهو رجل فقير ولد في العقد السادس من القرن الهجري وعاش في الكوفة. كان يعيش أحداث عصره بطريقة مختلفة ويتماشى مع تلك الأحداث شبه الحقيقية، وكان يتصرف بذكاء كوميدي ساخر فانتشرت قصصه ومواقفه التي كان يتعامل معها في حياته اليومية، وكانت تنتقل قصصه من شخص إلى آخر، ما نتج عنه تأليف الكثير من الأحداث الخيالية حوله وبطرق مختلفة. أقدَم قصصه ونوادره تعود إلى القرن الأول الهجري أي القرن السابع الميلادي. وهكذا ما لبث اسمه أن تردد في أدبيات القرنين الثاني والثالث للهجرة، مقروناً ببعض النوادر، كما ذكر الجاحظ، ولكن ما نكاد نصل إلى القرن الرابع الهجري حتى تكون نوادره المتواترة شفاهياً قد عرفت طريقها إلى التدوين في أسواق الوراقين باسم "كتاب جحا" الذي كان من الكتب المرغوب فيها على قول ابن النديم في الفهرست. ولا تزال تلك النوادر حيّة في الفكر والخيال الشعبي والوجدان الجمعي العربي وعبرت حدود الزمان والمكان، ومن أشهرها: مسمار جحا, الرأس, جحا وابنه وحماره, مَنْ يَعلمُ يُعْلِمُ مَنْ لا يَعْلم, نواة البلح, حمّام فوق المئذنة, الحصان والثور, الحمار المخللاتي, سباق مع الصوت, ضاع الحمار بمفرده, سجود, الحمار المتعلم, اللباس الطائر, من راقب الناس, العمامة القارئة, العقاب قبل الذنب.

ومن نوادره أيضاً: هاتها تسعة ولا تزعل: رأى جحا في منامه أن شخصاً أعطاه تسعة دراهم بدلاً من عشرة كان يطلبها منه فاختلفا، ولما احتدم بينهما الجدال انتبه من نومه مذعوراً، فلم يرَ في يده شيئاً، فتكدر ولامَ نفسه على طمعها، ولكنه عاد فاستلقى في الفراش وأنزل نفسه تحت اللحاف ومدَّ يده إلى خصمه الموهوم قائلاً: هاتها تسعة ولا تزعل!

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: