عنب بلدي – حسن إبراهيم
تشهد منطقة الساحل السوري نشاطًا ملحوظًا في عقد لقاءات تهدف إلى تعزيز السلم الأهلي ونبذ خطاب الكراهية، وذلك من خلال اجتماعات لجنة السلم الأهلي ومبادرات فردية تجمع شخصيات بارزة بوجهاء وأعيان من مختلف الطوائف.
تركز هذه اللقاءات على مناقشة مشكلات الأهالي في الساحل، وضرورة فرض الأمن ومحاسبة المعتدين وتسليم مرتكبي جرائم الحرب، بالإضافة إلى ترميم الفجوات الاجتماعية التي تفاقمت بعد الأحداث التي شهدها الساحل في آذار الماضي.
إعادة بناء الثقة
من بين هذه اللقاءات، زيارة قام بها الدكتور عبد الكريم بكار، المتخصص في الفكر الإسلامي، إلى مدينة اللاذقية في نيسان الماضي، حيث التقى بمجموعة من وجهاء وأعيان المدينة.
أوضح مؤيد حبيب، المدير التنفيذي لمركز "مقاربات للتنمية السياسية" وأحد المشاركين في اللقاء، أن هذه الزيارة تأتي في إطار عمل منظمة "متحدون ضد العنصرية والطائفية" التي أسسها الدكتور بكار عام 2022، والتي تهدف إلى مكافحة التعصب الطائفي والعنصري وتعزيز قيم التسامح والمواطنة. تضم المنظمة حوالي 100 عضو من 16 دولة.
أشار حبيب إلى أن الزيارة تضمنت إلقاء محاضرات في اللاذقية بدعوة من الدكتور فداء المجذوب، المقيم في المدينة، وعقد اجتماع مع وجهاء ومثقفين من الطائفتين العلوية والسنية، مؤكدًا أن هذه المبادرة فردية وغير رسمية.
وصف حبيب الحضور بالتنوع، حيث ضم أطباء ومهندسين وإعلاميين، وأشار إلى أن الجلسة اتسمت بـ "أريحية" في الطرح مع التأكيد على أن المجتمعين ليسوا جزءًا من السلطة، بل جزء من الحل من خلال فتح حوار ثقافي، مع المطالبة بمنع التقسيم ومحاسبة المجرمين.
خلال الاجتماع، أكد الدكتور بكار على أن فتح صفحة جديدة يتطلب محاسبة المجرمين الذين أساؤوا للشعب السوري، وضرورة اعتذار أولئك الذين وقفوا في الصف الخاطئ ولم تتلطخ أيديهم بالدماء، مما يعزز إعادة بناء الثقة بين السوريين.
أضاف حبيب أن الحوار شهد بعض التوتر، لكن 80% منه كان إيجابيًا، حيث طالب المجتمعون بعقد لقاءات أخرى واستضافة في القرى العلوية، ودعوة مشايخ ووجهاء من مختلف المدن السورية، وكذلك المفتي أسامة الرفاعي للزيارة. وأشار إلى أن الوجهاء أعربوا عن رفضهم لتحركات فلول النظام السابق ورفض الفتنة والاقتتال.
يرى حبيب أن السلم الأهلي لا يتحقق إلا من خلال هذه اللقاءات التي تقرب وجهات النظر و"تحشر الفلول وأتباعهم والمجرمين في زاوية، وتجعلهم منبوذين من جميع أطياف الشعب السوري".
أكد على صعوبة هذه المهمة، مشبهًا الحوارات واللقاءات بـ "النحت في الصخر"، وأن استمرارها سيترك أثرًا إيجابيًا، لأن المجتمعات تتأثر بالنخب والمثقفين والأعيان، مشددًا على ضرورة استمرارها.
لجنة للسلم الأهلي
وفقًا لرصد عنب بلدي، ازدادت وتيرة اللقاءات والاجتماعات في الساحل السوري خلال آذار الماضي، الذي شهد موجة عنف أسفرت عن مقتل 1562 شخصًا في سوريا، بدأت بكمين من مسلحين موالين للنظام المخلوع أو من تصفهم الحكومة السورية بـ "فلول النظام"، استهدف عناصر الأمن في الحكومة.
في آذار الماضي، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قرارًا بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في سوريا، مؤلفة من حسن صوفان، والدكتور أنس عيروط، والدكتور خالد الأحمد، وهي مكلفة بثلاث مهام رئيسة:
- التواصل المباشر مع الأهالي في الساحل السوري للاستماع إليهم.
- تقديم الدعم اللازم للأهالي في الساحل السوري بما يضمن حماية أمنهم واستقرارهم.
- تعزيز الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة.
أوضح الدكتور أنس عيروط، عضو لجنة السلم الأهلي، في حديث سابق لعنب بلدي، أن الهدف الأساسي من عمل اللجنة هو تقديم الدعم المعنوي من خلال توطيد الأمن بين أفراد المجتمع بمختلف طوائفه وأديانه، وتقديم الدعم المادي من خلال الإغاثة لسد حاجة المحتاجين، مستشهدًا بقوله تعالى: "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".
أضاف أن أدوات السلم الأهلي كثيرة، ومن أهمها بث قنوات ومنصات التواصل الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع، وفتح باب الحوار من خلال عمل ندوات أو مجالس اجتماعية، وتكثيف اللقاءات، فهي بدورها كفيلة بتقريب وجهات النظر وإصلاح سوء التفاهم وإزالة الفجوة.
كما زاد تنسيق الوجهاء مع الجهات الحكومية، وفقًا للإعلانات الرسمية، خاصة فيما يتعلق بتسليم السلاح وحصره بيد الدولة.